المودع إذا عرف أن صاحب الوديعة ينفقها في المعصية لم يسلمها إليه ، وله جحدها ، والحلف على أن ليس عنده وديعة وينوي يجب عليه تسليمها (١).
أما إذا أراد سفر الحج أو غيره ، وعرف أنه يؤخذ منه الأتاوة فقال الشافعي : إن هذا يمنع من وجوب الحج ، ومذهب الأئمة أنه لا يمنع (٢) ؛ لأن هذا الشيء يشبه السكون في أرض يحكم فيها الظلمة بما شاءوا من أخذ شيء من المال فهذا جائز ، ولا تجب الهجرة لهذا عند الأكثر ، وذلك كالإجماع ، ويحكى الخلاف لبعضهم (٣) ، ومن هذا تولي القضاء من جهة الظلمة إذا كان لا يتم له إلا بذلك لا يجوز ؛ لأنه يكون متوصلا بفعل القبيح إلى فعل الحسن ، والصور في هذا تكثر.
قوله تعالى
(أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً) [الأنعام : ١١٤]
قيل : معناه قل يا محمد هل يجوز لأحد أن يعدل عن حكم الله؟ وهذا استفهام بمعنى الإنكار ، وما دل عليه الدليل فهو حكم الله تعالى من سنة ، أو إجماع ، أو قياس ، أو تحكيم بين الزوجين ، أو خبر الواحد.
وأما ما لم تدل عليه دلالة فهو لا تجب طاعته ، وليس بحكم الله ، ومن ذلك أحكام المنع.
__________________
(١) تقدم مثل هذا في تفسير قوله تعالى في آخر النساء (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) الآية ، وسيأتي مثله في براءة ، في قوله (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) الآية.
(٢) إذا كان المعتاد ، والله أعلم ، وإلا جاز ولا يجب ، ولعله حيث يسلمه هو ، لا لو كان يغتصب عليه ، فلا يجوز ،
(٣) وممن منعه إمامنا المنصور القاسم بن محمد عادت بركاته. (ح / ص).