قال في الكشاف : المشهور عن أبي حنيفة : أنه لا يجوّز فداءهم بمال ولا بغيره ، وروى الطحاوي : أنه يفاديهم بأسرى المسلمين ، وإن شاء استرقّ لهذه الآية ، وقد قال ابن عباس في قوله تعالى : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) خير الله تعالى بين القتل والفداء والاسترقاق ، وقد قال في الكشاف : يجوز أن يراد بالمن ترك القتل ، ويسترقّوا.
قال الإمام يحيى : وهذا هو الذي حصله أبو طالب للقاسمية ، واختاره ، وهو محكي عن الشافعي ، والأوزاعي ، والثوري ، وأحمد ، لكن يقال : الخيار إذا استوت المصلحة ، فإن كان أحد هذه الأشياء أصلح تعين فعله ، وإذا كان القتل أصلح من الأسر ترك الأسر ، ولا يقال : إنه منسوخ ، وسيأتي إن شاء الله تعالى زيادة ، وبيان هل المن منسوخ أو ثابت.
ومن ثمرات الآية : وجوب الجهاد ، ومن ثمراتها جواز الأسر بعد الإثخان ، ومن ثمراتها : تحريم المأخوذ بالفداء قبل الإثخان ، لكن قيل : قد نسخ ذلك بقوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً).
والمعنى : بقوله تعالى : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) أي : حطام الدنيا ، وذلك إشارة إلى الفداء ، وسمي عرضا لقلة لبثه ، ومنه الحديث : «الدنيا عرض حاضر ، يأكل منه البر والفاجر».
وقوله تعالى : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) وفي هذا أقوال متعددة ، فقيل : سبق في اللوح أنه تعالى يحل لهم الفدية التي أخذوها ، وقيل : سبق أن أهل بدر مغفور لهم ، وأنه لا يعذبهم ، عن الحسن ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وابن زيد.
وقيل : الكتاب السابق هو إيجاب الرحمة (١) على نفسه لقوله تعالى :
__________________
(١) وقد صحح هذا اللفظ في حاشية النسخة ب (وقيل الكتاب السابق إيجاب الرحمة) بحذف هو.