الأذهان إنه لا أحسن وأضوأ من الملك ، كما أنّه لا أقبح من الشيطان. وإنه لم ير لا هذا ولا ذاك. وتعلق بها من يفضّل الملك على البشر ، ولا دليل له فيه لما ذكرنا ، ولو سلم فالزيادة في الحسن لا تقتضي التّفضيل.
وقوله : (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا)(١) إشارة إلى الملك تشبّه لها في صورة بشر.
وبشرت الأديم : أخذت بشرته. والبشارة : أول خبر سار ، ولذلك لو قال (٢) لعبيده : من بشّرني بولادة ذكر فهو حرّ ، فبشّروه جميعا دفعة واحدة عتقوا جميعا. وإن بشّروه على التعاقب عتق أولهم فقط بخلاف قوله : من أخبرني ، فإنّ من أخبره أولا كان أو آخرا عتق. وهل يختصّ بالسارّ؟ المشهور نعم ، ولا يقع في شرّ إلا على سبيل التهكّم كقوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(٣) يعني أنّ أسرّ ما يسمعون من الخبر بما ينالهم من العذاب ، ونحوه (٤) : [من الوافر]
تحيّة بينهم ضرب وجيع
وقيل : يستعمل في الخير والشرّ ، لأن البشارة عبارة عن خبر يتغيّر له البشر ، وذلك يكون في الشرّ كما يكون في الخير ، وقد أتقنت الكلام في ذلك في غير هذا الموضوع. ويقال : بشرت وبشّرت ، خفيفا ومثقلا ، وأبشرت كأكرمت. قال (٥) : [من الطويل]
بشرت عيالي إذ رأيت صحيفة |
|
عليك (٦) من الحجّاج يتلى كتابها |
وقرىء يبشّر ويبشر ، ولم يرد في القرآن الماضي إلا مثقلا. قال الراغب : بين هذه الألفاظ فروق ، فبشرته عامّ ، وأبشرته نحو أحمدته ، وبشّرته على التكثير. ومن ورود أبشر في القرآن قوله : (وَأَبْشِرُوا)(٧) فقد جاءت ثلاث لغات في القرآن ، إلا أنه لم يرد من ماضيها إلا التكثير كما تقدّم.
__________________
(١) ١٧ / مريم : ١٩.
(٢) الفاعل : أحدهم.
(٣) ٢١ / آل عمران : ٣.
(٤) الشطر من شواهد الراغب في مفرداته : ٤٨.
(٥) من شواهد الفرّاء في معاني القرآن (١ / ٢١٢) وقد نسبه إلى بعض العرب.
(٦) وفي معاني القرآن : أتتك.
(٧) ٣٠ / فصلت : ٤١.