رفعت عنّا (١) من البلاغ فلتبلّغ عنّا» أراد من المبالغة في التبليغ. يقال : بالغ يبالغ مبالغة فهو مبالغ أي اجتهد. ويروى «من البلاغ» بفتح الباء على معنى أنّ البلاغ ما بلغ من القرآن والسّنن. وقيل : تقديره من ذوي البلاغ ، أي الذين بلّغونا ، أي من ذوي التّبليغ ، فأقام الإسم مقام المصدر الحقيقيّ ، كما تقول : أعطيته عطاء ، وبكسرها على أنه مصدر بالغ نحو : قاتل قتالا. وقالت عائشة لعليّ رضي الله عنهما يوم الجمل : «لقد بلغت منّا البلغين» (٢) قال أبو عبيدة : هي مثل قولهم : لقيت منه البرحين ، وبنات برح أي الدّواهي.
ب ل و :
يقال : بلوته أي اخبرته ، ويكون في الخير والشرّ. قال تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)(٣). ويقال : ابتليته كبلوته. قال تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتامى) (٤) (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ)(٥) أي اختبره.
وقوله تعالى : (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)(٦) قيل : معناه نعمة ، ومنه قوله تعالى : (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً)(٧). قال أبو الهيثم : البلاء يكون حسنا ويكون سيئا. وأصله المحنة ، والله تعالى يبتلي عبده بالصّنع الجميل ليمتحن شكره ويبلوه بالبلوى التي يكرهها ليمتحن صبره.
وفي حديث حذيفة ، وقد تدافعوا للصلاة : «لتبتلنّ لها إماما أو لتصلّنّ وحدانا» (٨) أي لتختارنّ (٩). وجعل الراغب معنى هذه المادة من معنى البلاء ، وذكره في مادة ب ل ي.
__________________
(١) في الأصل : علينا ، والتصويب من النهاية : ١ / ١٥٢.
(٢) النهاية : ١ / ١٥٣.
(٣) ٣٥ / الأنبياء : ٢١.
(٤) ٦ / النساء : ٤.
(٥) ١٢٤ / البقرة : ٢.
(٦) ٤٩ / البقرة : ٢.
(٧) ١٧ / الأنفال : ٨.
(٨) النهاية : ١ / ١٥٦.
(٩) وهذا قول شمر كما في الغريبين : ١ / ٢١٠.