فقال : يقال : بلى الثوب بلى وبلاء أي خلق. وبلوته : اختبرته كأني اخلقته من كثرة إختباري له.
وقرىء : هنالك تبلو كل نفس ما أسفلت (١) أي تعرف حقيقة ما عملت ، ولذلك يقال : بلوت فلانا أي اختبرته.
وسمّي الغمّ بلاء من حيث إنّه يبلي الجسم ، وسمّي التكليف بلاء من أوجه : الأول أنّ التّكاليف كلّها فيها مشقّة على الأبدان. والثاني أنها اختبارات ، وعليه (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ)(٢) وهو تعالى عالم بهم بدون اختبار ، وإنّما معناه : حتى يظهر في الوجود ما في علمنا. وقيل : معناه حتّى يتميز. والثالث ، كما تقدّم ، أنه اختبار (٣) ، فمبتليهم بالمسارّ تارة ليشكروا ، وأخرى بالمضارّ ليصبروا. فصار الابتلاء تارة منحة وتارة محنة. والمنحة تقتضي الشكر ، والمحنة تقتضي الصّبر. والقيام بحقوق الصبرّ أيسر وأسهل من القيام بحقوق الشّكر. فصارت المنحة أعظم البلاء [ين](٤).
ومن هذا قول أمير المؤمنين عليّ (٥) رضي الله عنه : «بلينا بالضّراء فصبرنا ، وبلينا بالسّراء فلم نصبر». وقد جاء ذلك ، أعني المحنة والمنحة ، في قوله تعالى : (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)(٦) ، فالمحنة راجعة إلى ما تقدّم من ذبح أبنائهم واستحياء نسائهم. والمنحة راجعة إلى قوله : (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ)(٧). وابتلى وبلى يتضمّن أمرين : أحدهما تعرّف حاله وما يجهل من أمره. والثاني ظهور جودته ورداءته. في جانب الباري تعالى إذ قيل : ابتلى الله كذا أو بلى كذا لم يكن إلا بمعنى ظهور جودة المبتلى كقوله
__________________
(١) ٣٠ / يونس : ١٠.
(٢) ٣١ / محمد : ٤٧.
(٣) أي اختبار الله تعالى لعباده.
(٤) إضافة المحقق.
(٥) نقل الراغب هذا الحديث معزوّا للخليفة عمر (المفردات : ٦١).
(٦) ٤٩ / البقرة : ٢.
(٧) من الآية السابقة.