وفي الحديث : «الجراحات بواء» (١) أي متساوية في لزوم المماثلة ، وذلك أنّه لا يجرح غير الجارح ، ولا يؤخذ منه أكثر من جنايته ، فذلك معنى اللزوم فيها. وقيل : أصل البواء مساواة الأجزاء في المكان عكس التّبوّء الذي هو منافاة الأجزاء. ومكان بواء أي غير باء. وكان عليه الصلاة والسّلام «يتبوّأ لبوله كما يتبوّأ لمنزله». وعنه عليه الصلاة والسّلام : «من كذب عليّ متعمدا فليتبوّأ مقعده من النار» (٢). وبوّأت الرمح : هيأت له مكانا ثم قصدت به الطعن. وقال الراعي في صفة الإبل (٣) : [من الطويل]
لها أمرها حتى إذا ما تبوّأت |
|
بأخفافها مأوى تبوّأ مضجعا |
يريد أنّ الراعي يتركها حتى إذا وجدت مكانا صالحا للرعي تبوّأ الرّاعي (٤) مكانا لاضطجاعه. وقوله (وَباؤُ بِغَضَبٍ)(٥) أي حلّوا متبوّأ ، ومعهم غضب (٦) ، فالباء حالية (٧) لا متعدية ، فليست كالتي في مررت بزيد. وفي ذلك تنبيه حسن (٨) ، وهو أنّ المكان الذي فيه موافقة لنزولهم صحبهم فيه غضب الله ، وهو عقابه ، فكيف بغيره من الأمكنة؟ وذلك يجري مجرى قوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(٩). يقول الشاعر : [من الوافر]
تحية بينهم ضرب وجيع (١٠)
أي إن كان لهم بشارة فبالعذاب ، وإن كان ثمّ تحية فهو الضرب. قوله : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ
__________________
(١) النهاية : ١ / ١٦٠ والمعنى أنها متساوية في القصاص.
(٢) النهاية : ١ / ١٥٩ والمعنى : لينزل منزله منها.
(٣) من شواهد الراغب : ٦٩. والبيت للراعي النميري (الديوان : ١٠٢) وفيه : لأخفافها مرعى.
(٤) في الأصل : المرعى.
(٥) ٦١ / البقرة : ٢.
(٦) يريد : غضب من الله.
(٧) أي في موضع الحال.
(٨) ساقطة من س.
(٩) ٢١ / آل عمران : ٣.
(١٠) عجز لعمرو بن معديكرب ، وصدره :
وخيل قد دلفت لها بخيل
(الديوان : ١٣٠ ، معاني القرآن للأخفش : ١ / ٣٠٩).