(كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)(١) أي متعال عن قبول الحقّ والإذعان له ، وذلك أنّ الجبار في الأناسيّ هو من يجبر نقيصته بادّعاء منزلة لا يستحقّها.
والجبّار : كلّ من قهر غيره ، وذلك من صفات (٢) الله عزوجل بطريق الاستحقاق كقوله : (الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ)(٣) ، وقوله : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ)(٤) ، أي لم تقدر على قهرهم على الإيمان كقوله : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ)(٥) ، (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ)(٦). قالوا : ولتصوّر القهر بالعلوّ على الأقران قالوا : نخلة جبّارة وناقة جبّارة للعالية الباسقة. وقال الهرويّ : ناقة جبّار ، بلا هاء ، وأجاز الراغب : جبّارة بالهاء.
وقيل : وصفه الله تعالى بالجبّار من قولهم : جبرت الفقير لأنّه هو الذي يجبر الناس بفائض نعمه (٧). وقيل : لأنه يقهرهم على ما يريده. وقد دقّقه بعضهم من حيث اللغة وبعضهم من حيث المعنى ؛ أمّا من حيث اللغة فإنّ فعّالا ينبني من أفعل ، فيكون : جبّار من أجبر. وأجيب عنه بأنّ جبارا من الجبر المرويّ في الخبر : «لا جبر ولا تفويض» لا من الإجبار. وأمّا من حيث المعنى فإنّه تعالى عن ذلك ، وهذا قول المعتزلة (٨). قال الراغب رادّا على المعتزلة : وليس بمنكر ؛ فإنّ الله تعالى قد أجبر الناس على أشياء لا انفكاك لهم منها حسبما تقتضيه الحكمة الإلهية لا على ما يتوهّمه بعض الغواة ، وذلك كإكراههم على المرض والموت والتّعب ، وسخّر كلّا منهم لصناعة يتعاطاها ، وطريقة من الأعمال والأخلاق يتحرّاها ، وجعله مجبرا في صورة مخيّر ؛ فإمّا راض بصنعته لا يريد عنها حولا ، وإمّا كاره لها يكابدها مع كراهيّته لها ، كأنّه لا يجد عنها بدلا ، كقوله : (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُ
__________________
(١) ٣٥ / غافر : ٤٠.
(٢) وفي س : صفته.
(٣) ٢٣ / الحشر : ٥٩.
(٤) ٤٥ / ق : ٥٠.
(٥) ٥٦ / القصص : ٢٨.
(٦) ٢٢ / الغاشية : ٨٨.
(٧) كذا في س ، وفي ح : نعمته.
(٨) وأضافت النسخة س : خذلهم الله.