بمعنى فاعل. والجنّ يقال على وجهين ؛ أحدهما للروحانيّين المستترة عن الحواسّ كلّها بإزاء الإنس ، فعلى هذا يشمل الملائكة والشياطين ؛ فكلّ ملك جنّ ، وليس كلّ جنّ ملكا. قيل : الجنّ بعض الروحانيين ، وذلك أنّ الروحانيين ثلاثة أجناس : أخيار محض (١) وهم الملائكة ، وأشرار محض وهم الشياطين ، وأوساط وهم الأخيار والأشرار (٢). ويدلّ عليه قوله تعالى (٣)(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ) إلى قوله : (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) ، وعلى هذا فقوله : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ)(٤) فإبليس استثناء منقطع لأنّه من الجنّ ، وقيل : متصل. وله موضع غير هذا.
ويقال : جنّ فلان ، على صيغة ما لم يسمّ فاعله (٥). ومعنى جنّ أصابه جنّ ، أو أصيب جنانه وهو عقله ، تعبيرا عنه بالقلب. وقوله : (مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ)(٦) أي عن تعلّمه. والجانّ : أبو الجنّ كما تقدّم. وقيل : نوع من الجنّ.
والجانّ أيضا : الحيّات الخفاف ، هو عندي إنّما سمّيت بذلك تشبيها بالجانّ لخفّتها وسرعة انقلابها ، وجمعها جنّان ، وفي حديث كشح (٧) زمزم قال العباس : «يا رسول الله إنّ فيها جنّانا كثيرة» (٨). وفي آخر : «نهى عن قتل الجنّان» التي تكون في البيت (٩) ، وجمع فاعل على فعلان غريب. وقال ابن عرفة : الجانّ : الحيّة الصغيرة. وقد تقدّم الجواب عن عصا موسى كيف وصفت تارة بالثعبان ؛ وهو العظيم من الحيّات ، وتارة بالجانّ وهو الصغير ، وفي مادة «ث. ع. ب» وقد ذكره الهرويّ هنا.
__________________
(١) في الأصل : محضة ، ولعل ما ذكرنا أكثر صوابا.
(٢) ويدعوهم الراغب : الجنّ.
(٣) من الآية ١ ـ ١٤ / الجن : ٧٢.
(٤) ٣٠ و ٣١ / الحجر : ١٥.
(٥) أي بني فعله على «فعل» كبناء الأدواء نحو : زكم ولقي وحمّ.
(٦) ١٤ / الدخان : ٤٤.
(٧) كشح : كنس.
(٨) النهاية : ١ / ٣٠٨ ، الجنّان : الحيّات.
(٩) النهاية : ١ / ٣٠٨ ، أي الحيات التي تكون في البيت.