البقول وهي الجنبة فإذا أكلته بركت مستقبلة الشمس ، تستمري ما أكلت وتجترّ كعادة الدوابّ ، فتثلط أي فتروّث وتبول فلا يصيبها ألم المرعى لثلطها وبولها ، كذلك المقتصد في جمع الدنيا المؤدّي حقوق ربّه. وما أحسن هذين المثلين وأبلغهما وأوقعهما (١) بحال الممثّل له. وكم (٢) من مثل نسمعه ولا نجده يساوي ما يضربه صلىاللهعليهوسلم ولا يقاربه ، وذلك لاطلاعه على ظواهر الأمور وبواطنها. فمن ثمّ تجيء أمثاله في غاية المطابقة للحال فضلا عن الفصاحة والبلاغة ، بخلاف غيره عليه الصلاة والسّلام ، فإنّه غاية ما عنده أن يطابق بالمثل الحال الظاهر.
والحبنطى : الحبط البطن. وفي الحديث : «[إنّ](٣) السّقط يظلّ محبنطئا على باب الجنّة» المحبنطىء : المغضب المستبطىء للشيء (٤). احبنطيت واحبنطأت ، لغتان. يقال : حبطت الدابّة تحبط حبطا فهي حبطة (٥). وسمّي الحارث (٦) الحبط لأنّه أصابه ذلك ، وسمي أولاده الحبطات. قال الشاعر (٧) : [من الوافر]
فإنّ (٨) الحمر من شرّ المطايا |
|
كما الحبطات شرّ بني تميم |
ثم حبط العمل على أضرب ؛ الأول أن تكون أعمالا دنيويّة غير مجدية في الآخرة وهي المشار إليها بقوله : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ)(٩) الآية. الثاني : أن تكون أخرويّة قصد بها غير الله كما روي «أنه يؤتى يوم القيامة برجل فيقال له : بم كان اشتغالك؟ قال : بقراءة القرآن. فيقال له : قد كنت تقرأ ليقال : هو قارىء. وقد قيل ذلك ، فيؤمر به إلى
__________________
(١) وفي ح : واقعهما.
(٢) ساقطة من ح.
(٣) الكلمة ساقطة أضفناها من اللسان ، وهو حديث السّقط كما في النهاية : ١ / ٣٣١.
(٤) وجاء في اللسان أن المحبنطىء مهموز وغير مهموز.
(٥) أي : إذا أصابت مرعى طيبا فأفرطت في الأكل حتى تنتفخ فتموت.
(٦) هو الحارث بن مازن ، سمي بذلك لأنه كان في سفر فأصابه مثل الحبط الذي يصيب الماشية فنسبوا إليه. وقيل : إنما سمي بذلك لأن بطنه ورم من شيء أكله. والحبطات (وبفتح الباء) : أبناؤه على جهة النسب ، والنسبة إليهم حبطيّ ، وهم من تميم. وانظر رأيا آخر في اللسان ـ مادة حطط.
(٧) هو زياد الأعجم ، والبيت من شواهد الجاحظ في البيان والتبيين : ٤ / ٣٧ ، وخزانة البغدادي : ٤ / ٢٨٠.
(٨) رواية البيان : رأيت.
(٩) ٢٣ / الفرقان : ٢٥.