والمحراب مفعال من ذلك. قيل : سمّي بذلك لأنّ الإنسان يحارب فيه شيطانه وهواه. وقيل : لأنه من حقّ الإنسان فيه أن [يكون](١) حريبا (٢) من أشغال الدّنيا ومن توزّع الخاطر فيه. وقيل : الأصل فيه أنّ محراب البيت صدر المجلس. ثمّ لمّا اتّخذ المسجد (٣) سمي صدره به. وقيل : بل المحراب أصله في المسجد ، وهو اسم خصّ به صدر المجلس. وسمي صدر البيت محرابا تشبيها بمحراب المسجد. قال الراغب : وكأنّ هذا أصحّ (٤). قلت : المحراب لفظ قديم قبل حدوث المساجد ؛ فإنّ المساجد ومحاريبها عرف شرعيّ. وقال أبو عبيد : هو أشرف المساجد. قال الأصمعيّ : هو الغرفة والموضع (٥) العالي ، ويدلّ عليه : (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ)(٦) فتسوّروا يدلّ على علوّه.
وقوله : (وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ)(٧) يدلّ على أنه كان لهم محاريب. وفي الحديث عن أنس «أنّه كان يكره المحاريب» (٨) أي يكره أن يرفع على الناس. وفيه : «أنه بعث عروة بن مسعود إلى قومه بالطائف ، فدخل محرابا لهم فأشرف عليهم (٩) ، ثمّ أذّن للصلاة» (١٠) ، فهذا يدلّ على أنّه غرفة يرتقى إليها.
وقوله تعالى : (مِنْ مَحارِيبَ)(١١) قيل : هو القصور لارتفاعها. قال الأصمعيّ : العرب تسمي القصر محرابا لشرفه. وأنشد للأعشى (١٢) : [من السريع]
__________________
(١) إضافة المحقق.
(٢) في الأصل : حرمنا ، والسياق يؤكد ما أثبتناه.
(٣) في الأصل : المجلس ، وهو وهم من الناسخ.
(٤) المفردات : ١١٢.
(٥) في الأصل : وموضع.
(٦) ٢١ / ص : ٣٨.
(٧) ٣٩ / آل عمران : ٣.
(٨) النهاية : ١ / ٣٥٩ ، أي لم يكن يحب أن يجلس في صدر المجلس.
(٩) أشرف عليهم عند الفجر ، ولهذا أذّن للصلاة.
(١٠) النهاية : ١ / ٣٥٩.
(١١) ١٣ / سبأ : ٣٤.
(١٢) من قصيدة له يهجو بها علقمة بن علاثة. غير أن المؤلف ذكر الصدر وهو لعجز آخر ، وعجزه في الديوان (ص ١٣٩) :
بمذهب في مرمر مائر