حُسْباناً)(١) أي يجريان بحساب وتقدير لا يعلمه إلّا مقدّره أو من أطلعه من خلقه عليه ، فلا يجاوزان ما قدّر لهما من حركتهما (٢). (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ)(٣) ، قيل : جمع حساب والأصوب أنه مصدر ؛ يقال : حسب الشيء يحسبه حسبانا وحسبانا كالغفران والسّكران.
وقول : (وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً)(٤) قال ابن عرفة : عذابا ، وقال الأصمعيّ : الحسبان : المرامي الصّغار ، ومنه قسيّ الحسبان وهي معروفة (٥). قال : وقيل حسبانا أي عذاب حسبان من السماء ، وذلك الحسبان حساب ما كسبت يداك. قلت : وهذا معنى قول الراغب (٦). قيل : معناه نارا وعذابا ، وإنما هو في الحقيقة ما يحاسب عليه فيجازى بحسبه. وفي الحديث في الريح : «اللهمّ لا تجعلها عذابا ولا حسبانا» (٧).
وقوله تعالى : (فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً)(٨) أي أوقفناها على جميع أعمالها فلا تنكر منه شيئا ، كما يقف المحاسب على ما يحاسب عليه. (ومن نوقش الحساب عذب) (٩) أي من استولى عليه لا بدّ أن يؤاخذ.
وقوله : (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ)(١٠) فيه أوجه ، أحدها : لا يضيّق عليه بل يعطيه عطاء من لا يحاسب ، من قولهم : حاسبته إذا ضايقته. ثانيها : يعطيه أكثر ممّا يستحقّه. والاستحقاق هنا مجاز. ثالثها : يعطيه ولا يأخذ منه خلاف حال أهل الدنيا. ورابعها : يعطيه ما لا يحصره البشر كثرة. خامسها : يعطيه أكثر مما يحاسبه. سادسها : يعطيه بحسب ما يعلمه من مصلحته لا على حسب حسابهم ، وذلك نحو ما نبّه عليه بقوله : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ
__________________
(١) ٩٦ / الأنعام : ٦. قال الأخفش : معناه بحساب فحذف الباء (اللسان ـ حسب).
(٢) وفي ح : حرتهما ، وفي س : حزبهما ، ولعلها كما ذكرنا.
(٣) ٤٠ / يس : ٣٦.
(٤) ٤٠ / الكهف : ١٨. وقال ابن منظور : نارا.
(٥) جاء في اللسان : الحسبان : سهام صغار يرمى بها عن القسيّ الفارسية ، واحدتها حسبانة.
(٦) المفردات : ١١٦.
(٧) النهاية : ١ / ٣٨٣ ، وليس هناك عذابا.
(٨) ٨ / الطلاق : ٦٥.
(٩) النهاية : ٥ / ١٠٦.
(١٠) ٢١٢ / البقرة : ٢.