ح ص و :
قوله تعالى : (أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ)(١) أي حصّله وأحاط به علما ولم يضيّعه ولم ينسه كما نسوه هم. والإحصاء هو تحصيل الشيء بالعدد ، وذلك من لفظ الحصى ، لأنّهم كانوا يستعملونه فيه كاستعمالنا فيه الأصابع ، وعلى ذلك (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً)(٢) أي أحاط به وحصّله إحاطة العادّ منكم وتحصيله ، وذلك على سبيل التنزّل معهم على ما يفهمونه.
قوله : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ)(٣). أي لن تحصّلوا أوقاته ، وهو معنى قول الفراء : لن تعلموا مواقيت الليل (٤). وقيل : الإحصاء : الإطاقة ، ومنه (أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) أي : تطيقوه. وقوله (٥) : (استقيموا ولن تحصوا) معناه : ولن تحصّلوا ذلك ، ووجه تعذّر إحصائه هو أنّ الحقّ واحد والباطل كثير ، بل الحقّ بالإضافة إلى الباطل كالنقطة بالإضافة إلى سائر أجزاء الدائرة ، وكالمرمى من الهدف ، وإصابة ذلك شديدة ، وإلى ذلك أشار ـ عليه الصلاة والسّلام ـ بقوله (٦) : «شيّبتني هود وأخواتها ، قيل : وما شيّبك منها؟ فقال : / قوله : فاستقم كما أمرت». قال الراغب (٧) : وهذا منه صلىاللهعليهوسلم لرفعة منصبه ؛ فإنّه كلما رفعت مرتبة المربوب ازداد خوفا من ربّه ، وفيه تنبيه لنا. وقال أهل اللغة (٨) : لم تحصوا ثوابه.
وقوله عليه الصلاة والسّلام : «إنّ لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنّة» (٩) أي من حصّل معرفتها وآمن بها ولم يلحد فيها ، عكس من قال فيهم : (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ)(١٠).
والحصاة : واحدة الحصى ، ويعبّر بها عن العقل فيقال : له حصاة ، وفي المثل :
__________________
(١) ٦ / المجادلة : ٥٨.
(٢) ٢٨ / الجن : ٧٢.
(٣) ٢٠ / المزمل : ٧٣.
(٤) يقول الفراء : «أي لن تحفظوا مواقيت الليل» (معاني القرآن : ٣ / ٢٠٠).
(٥) الحديث مذكور في النهاية : ١ / ٣٩٨.
(٦) رواه الترمذي والحاكم ... ينظر كشف الخفاء للعجلوني : ٢ / ١٥.
(٧) لم يقل الراغب هذا ، بل ذكر الحديث النبوي واكتفى. والآية : ١١٢ / هود : ١١.
(٨) قولهم في شرح الآية.
(٩) النهاية : ١ / ٣٩٧.
(١٠) ١٨٠ / الأعراف : ٧.