وقوله : (إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ)(١) أي اختلاقهم وكذبهم. وقرىء بضمتين (٢) أي كعادة الأولين. قال الراغب (٣) : وكلّ موضع استعمل فيه الخلق في وصف الكلام فالمراد به الكذب. ومن هذا الوجه امتنع كثير من الناس من إطلاق لفظ الخلق على القرآن. قلت : هذا يشعر بأن لا مانع من إطلاق الخلق على القرآن إلا ذلك ، وليس الأمر كذلك بل القرآن كلامه غير مخلوق لأدلّة دللنا لها في غير هذا الموضوع ك «القول الوجيز» و «التفسير الكبير».
وزعم أبو الحسن البصريّ أنه لا يطلق الخالق على الله تعالى ، وهو سهو فاحش لأنّ القرآن يكذّبه ، وقد ذكرنا له بعض اعتذار في الكتب المشار إليها. والخلق مصدر يراد به المخلوق كقوله : (هذا خَلْقُ اللهِ)(٤) مثل : درهم ضرب الأمير.
والخلق والخلق بمعنى كالشّرب والشّرب والصّرم والصّرم ، إلا أن الخلق اختصّ بالهيئات والصور والأشكال المدركة بالبصر. والخلق (٥) بالسّجايا والقوى المدركة بالبصيرة. وقيّده بعضهم بالنصيب الوافر من الخير ، كقوله تعالى : (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ)(٦). ومنه : (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ)(٧) أي انتفعوا به.
وقولهم : هو خليق بكذا أي حقيق به ، كأنه مخلوق فيه. ونحوه : هو مجبول على كذا ، ومدعوّ إليه من جهة خلقه. ويقال : خلق الثوب وأخلق إذا بلي فهو خلق ومخلق وأخلاق كرمّة. قال الراغب (٨) : وتصوّر من خلوقة الثوب الملامسة فقيل : جبل أخلق ، وصخرة خلقاء ، وخلقت الشيء : ملّسته. واخلولقت السحابة منه أو من قولهم : هو خليق
__________________
(١) ١٣٧ / الشعراء : ٢٦.
(٢) هي القراءة المشهورة وقراءة الفراء ومعناها عادتهم. وقراءة الكسائي (خلق) أي اختلاقهم وكذبهم. وقراءة أبي قلابة (خلق).
(٣) المفردات : ١٥٨.
(٤) ١١ / لقمان : ٣١.
(٥) أي خصّ الخلق.
(٦) ٢٠٠ / البقرة : ٢.
(٧) ٦٩ / التوبة : ٩.
(٨) المفردات : ١٥٨.