فيه من الطمأنينة. والخوف فيه قلق واضطراب. والخوف يكون في الأمور الدنيوية والأخروية. وخوف الله تعالى لا يراد به ما يتعارفه الناس من الرعب كاستشعار الخوف من الأسد ، إنما المراد به الانزجار عن المعاصي وتحرّي الطاعات وعملها. ولهذا قال بعض العلماء : لا يعدّ خائفا من لم يكن للذنوب تاركا.
وقوله : (ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ)(١). فتخويفه إياهم : حثّهم على التحرّز من معاصيه. قوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما)(٢) فسّر بمعنى عرفتم. وحقيقته : إن وقع لكم خوف لمعرفتكم. قوله : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ)(٣). فتخويف الشيطان أولياءه ـ وهم أتباعه ـ فيما يأمرهم به أن يجعلهم خائفين عاقبة ما يسوّل لهم فيه ، كتخويفه إياهم الإملاق ، فيأمرهم بقتل الأولاد مثلا. ونهي الله تعالى عن مخافة أوليائه عبارة عن أمرهم بائتمار ما أمر الله ، والنهي عما أمرهم به الشيطان. فكأنه قال : لا تأتمروا للشيطان وائتمروا لله تعالى.
قوله : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ)(٤) كأن خوفه منهم لعدم مراعاتهم الشريعة وأمر الدين ، لا أن يرثوا ماله كما ظنّه بعض الجهال. [فالقنيّات](٥) الدنيوية عند الأولياء أخسّ من أن يشفقوا (٦) عليها فضلا عن الأنبياء.
قوله : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً)(٧) قيل : الخيفة : الهيئة التي يكون عليها الإنسان من الخوف كالجلسة. وإنما أوجس ذلك على غيره لئلا يفتتن إذا رأى السحر ، أو اعتراه ما يعتري البشر ، ثم ثابت إليه نفسه المعصومة الشريفة ، ولذلك عقّبه بقوله : (قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى).
__________________
(١) ١٦ / الزمر : ٣٩.
(٢) ٣٥ / النساء : ٤.
(٣) ١٧٥ / آل عمران : ٣.
(٤) ٥ / مريم : ١٩.
(٥) بياض في الأصل ، والإضافة من المفردات : ١٦٢.
(٦) وفي الأصل : يستبقوا ، ولعلها كما ذكرنا.
(٧) ٦٧ / طه : ٢٠.