أسود وأبيض». ولما أخبر به رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال له : «إنك لعريض الوساد» (١) ، يعني بذلك بعد فهمه لهذه الاستعارة. وما أحسن هذه الكناية منه عليه الصلاة والسّلام عن عبارته ، حيث عرّض وساده. وأين هذا من قولهم في مثله : عريض القفا؟ قال الشاعر : [من الطويل]
عريض القفا ميزانه في شماله |
|
قد انحصّ من حسب القراريط شاربه |
ويقال : إنّه لم يزل الأمر كذلك حتى نزل قوله : (مِنَ الْفَجْرِ). ويروى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما قال لعديّ ما قال له : «إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل».
ويجمع خيط على خيوط. وقوله : (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ)(٢) هو الإبرة. يقال : خياط ومخيط نحو : إزار ومئزر ، وخلاب ومخلب. والخياط أيضا : الخيط نفسه. وفي الحديث : «أدّوا الخياط والمخيط» (٣) ، أي الخيط والإبرة ، وهذا من أمثلتهم في الأشياء المستبعدة ، والمتعذّرة ، نحو : لا أفعل كذا حتى يبيضّ القار ، ويشيب الغراب. وإلا فمعلوم أن الجمل لا يتصوّر ولوجه في خرم الإبر. وقد تقدّم أنّ ابن عباس كان يقول : إنه القلس (٤) ـ وهو الحبل الغليظ ـ في مادة ج م ل.
والخيط (٥) من النّعام : جماعتها تشبيها بالخيط ، والجمع خيطان. ونعامة خيطاء : ممتدّة العنق كأنه خيط. وخاط الشيء يخيطه ، وخيّطه تخييطا. وخيّط الشيب في رأسه (٦) : بدا كالخيط.
__________________
(١) وفي النهاية : ٣ / ٢١٠ : «إن وسادك لعريض» ، وفي رواية : «إنك لعريض القفا». وفيه : كنى بالوساد عن النوم ، أو عن موضع الوساد من رأسه وعنقه.
(٢) ٤٠ : الأعراف / ٧ ، وقرأه مجاهد «جمّل».
(٣) النهاية : ٢ / ٩٢.
(٤) القلس : كلمة يونانية الأصل معناها حبل ضخم للسفن.
(٥) بفتح الخاء وكسرها.
(٦) يأتي لازما ومتعديا.