لعدم صحة التجزّي وما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب وهذا قول بعض العامّة (١) ولا يخفى ما فيه من الضعف فإنّه إن امتنع التجزّي لم يفد غسل البعض وإلّا فلا حاجة إلى مسح ما غسّله أوّلا ولتعذر النيّة لعدم تحقّقها بدون الرفع والاستباحة ولا يحصل شيء منهما لكون غسل البعض غير رافع ولا مبيح ، وخالف هنا بعض العامّة فأوجب استعمال ذلك الماء في بعض الأعضاء والتيمّم للباقي وهو ضعيف ، ويؤيّد ما قلناه قوله تعالى في كفّارة اليمين (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) وقد حكم الجميع بأنّه لو وجد إطعام أقلّ من العشرة انتقل فرضه إلى الصوم ، وهذا بخلاف ما لو وجب على المكلّف طهارتان ووجد من الماء ما يكفي لأحدهما فإنّه يستعمله ويتيمّم عن الأخرى لكون كلّ منهما منفصلة عن الأخرى.
(فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) فتعمّدوا واقصدوا شيئا من الصعيد طاهرا ، وقد اختلف كلام أهل اللغة في الصعيد ففي الصحاح : إنّه التراب ، ونقله ابن دريد في الجمهرة عن أبي عبيدة ، ونقل في الكشّاف عن الزجّاج أنّه وجه الأرض ترابا كان أو غيره وإن كان صخرا لا تراب عليه ، وقريب منه ما نقله الجوهريّ عن تغلب ، ومن هنا نشأ الاختلاف في جواز التيمّم على الحجر مع وجود التراب. فالأكثر من أصحابنا على الجواز نظرا إلى أنّه من الصعيد ، ويؤيّده ظاهر قوله تعالى (صَعِيداً زَلَقاً) والمراد الصخر الأملس ووافقهم في ذلك أبو حنيفة وأصحابه ، وذهب آخرون منهم إلى عدم الجواز نظرا إلى عدم دخوله في اسم الصعيد ، وإلى هذا يذهب الشافعيّة ، وقد يترجّح بقوله (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) أى من بعضه كما هو مقتضى ـ من ـ التبعيضيّة ، وظاهر أنّ هذا لا يتأتى في الصخر الّذي لا تراب عليه ، وقول الأوّلين إنّ ـ من ـ لابتداء الغاية بعيد بل ادّعى صاحب الكشّاف أنّه لا يفهم أحد من العرب من قول القائل : مسحت برأسه من الدهن ومن التراب إلّا معنى التبعيض ، وقوله فيما يتعلّق بالعربيّة مقبول. إذ لم يكن له معارض ويؤيّد كونها للتبعيض ما في صحيحة زرارة عن الباقر عليهالسلام في حديث طويل (٢) قال
__________________
(١) انظر المغني لابن قدامة ج ١ ص ٢٣٧ و ٢٣٨.
(٢) إشارة إلى الحديث المار ذكره في ص ٤٣.