(بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) أي بأوقات الغدوات والعشيّات أوّل النهار وآخره وقت العصر فإنّهما أفضل الأوقات وأبعدها عن الرياء لعدم اطلاع الناس بهما. إذ أكثرهم مشغولون بحالهم في منازلهم بخلاف سائر الأوقات. فتكون الآية جامعة لما ينبغي في الذكر من الفعل والوقت ، ويحتمل أن يكون المراد بهما الدوام على الفعل. ثمّ أكّد الأمر بالذكر بقوله.
(وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) الّذين يغفلون عن ذكر الله ويلهون عنه فيحتمل كون النهي للتحريم لكن إذا عمّت الغفلة جميع الأوقات واستغرقتها لظهور تحريم ترك الصلاة المشتملة على الذكر ، ويحتمل كونه للكراهة ، والمراد الحثّ على عدم الغفلة في شيء من الأوقات عن ذكر الله والاستمرار عليه ليتنوّر جوهر النفس ويستعدّ لقبول الإشراقات القدسيّة فيضا هي سكان حظائر الجبروت الّذين مدحهم الله بقوله :
(إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) وهم الملائكة ـ صلوات الله عليهم ـ ومعنى عند دنو الزلفة والقرب من رحمة الله لا قرب المكان.
ويمكن أن يراد ما يعمّ جميع المقرّبين من الملائكة وغيرهم الفائزين لمزيد الفضل والرحمة وعلوّ الدرجة. فتأمّل.
(لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) أي هم مع جلالة قدرهم وعلوّ أمرهم يعبدون الله ويذكرونه ، والمراد إنّكم إن استكبرتم عن عبادته فمن هو أعظم حالا منكم لا يستكبر عنها.
(وَيُسَبِّحُونَهُ) وينزّهونه عن كلّ سوء ، وهذا يرجع إلى المعارف والعلوم.
(وَلَهُ يَسْجُدُونَ) ويخصّونه بالعبادة والتذلّل لا يشركوا به غيره وهذا يرجع إلى إعمال الجوارح.
ويجوز أن يكون في الكلام تعريض بمن عداهم من المكلّفين والمقصود أنّ الملائكة مع غاية طهارتهم ونهاية عصمتهم وبراءتهم عن بواعث الشهوة والغضب ودواعي الحقد والحسد مواظبون على العبادة والطاعة. فالإنسان مع كونه مبتلى بظلمات عالم الطبيعة وكدورات الزلّات البشريّة أولى بأن يداوم على ذكر معبوده ليصفّى مرآت