الكتب السماويّة لامتيازه عنها بأنّه معجز باق على مرّ الدهور.
(فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) صفة بعد أخرى أو خبر بعد خبر : أى مستور عن الخلق في اللوح المحفوظ.
(لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) صفة لقرآن ، ويحتمل أن يكون صفة ثانية لكتاب (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) صفة لقرآن فإنّه منزل من ربّ العباد على لسان نبيّه صلىاللهعليهوآله قيل : فيه دلالة على عدم جواز مسّ القرآن للمحدث حدثا أصغر أو أكبر وفيه أنّ الدلالة موقوفة على كون لا يمسّه خبرا بمعنى النهي صفة لقرآن أو خبر ثان لكلمة أن بتقدير مقول فيه لا يمسّه إلّا المطهّرون ، وهو غير لازم. إذ يجوز أن يرجع الضمير إلى الكتاب المكنون : أى اللوح المحفوظ ، وجملة لا يمسّه صفة له. والمراد أنّ القرآن الكريم في كتاب مكنون لا يمسّه إلّا الملائكة المطهّرون من جميع الأدناس : أدناس الذنوب وغيرها. فلا حاجة إلى جعل لا يمسّه بمعنى النهي ، ويؤيّد ذلك أنّه أقرب ، وعدم الاحتياج إلى الجملة الخبريّة بمعنى النهي وموافقته لما هو الأصل من الإباحة ، ولكن يؤيّد الأوّل أنّ القرآن هو المحدث عنه في الآية الكريمة ، ولأنّ الفصل بين نعته الثاني والثالث بنعت الكتاب بمفرد فقط ليس بمثابة الفصل به ، وبجملة طويلة كما هو اللازم على التقدير الثاني ، ومن هنا نشأ اختلاف الأصحاب في جواز مسّ كتابة القرآن للمحدث. فقال الشيخ في المبسوط : بالكراهة ووافقه على ذلك جمع من الأصحاب وهو قول بعض العامّة أيضا (١) وقال الشيخ في الخلاف بالتحريم ، وعليه أكثر الأصحاب ، وهو مرويّ عن ابن عمر والحسن وعطا وطاوس والشعبي ، وقول مالك والشافعي وأصحاب الرأي ، ويؤيّده من الأخبار ما رواه حريز مرسلا عن الصادق عليهالسلام (٢) أنّه نهى ابنه إسماعيل لمّا كان على غير وضوء
__________________
(١) قال ابن قدامة في المغني ج ١ ص ١٤٧ بعد نقل اشتراط الطهارة لمس الكتاب ولا نعلم مخالفا لهم إلا داود فإنه أباح مسه ، وأباح الحكم وحماد مسه بظاهر الكف لان آلة المس باطن اليد فينصرف النهي إليه دون غيره.
(٢) انظر الوسائل الباب ١٢ من أبواب الوضوء الحديث الثاني ، وفيه لا تمس الكتاب ومس الورق واقرأه.