وما هو شطر الإيمان لا يكون إلّا عبادة ، ونحوه ممّا دلّ على ذلك ، وحينئذ فلا يجزى بغير نيّة واقتضى ذلك عدم صحّتها إلّا على ذلك الوجه لأنّ ما عداه غير المأمور به فلا يجزى ، ولا يرد أنّ المأمورين أهل الكتاب لأنّ حكمه تعالى بكون ذلك دين القيّمة : أي الملّة المستقيمة الحقّة صريح في ثبوت ذلك في ملّة نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآله على أنّ هذا ثابت في جميع الملل لم تختلف فيه ملّة دون ملّة ، ولم يعرض له نسخ ولا تبديل كما قاله الطبرسي في مجمع البيان ، وذكره غيره أيضا ، ولا يذهب عليك أنّ اللازم من ذلك وجوب العبادة على وجه الإخلاص أمّا وجوب النيّة على الوجه الّذي ذكروه فغير واضح منها ، ويدلّ على وجوب الإخلاص في العبادة قوله تعالى (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) فإنّ المراد والله أعلم أمر ربّك أمرا مقطوعا : أى حكم على عباده وأوجب عليهم أن يعبدوا الله وحده ولا يجعلوا للغير من العبادة نصيبا وهو معنى الإخلاص ، ويحتمل أن يكون المراد : حكم ربّك بأن لا تعبدوا على أنّ ـ الباء ـ صلة حذفت ، وهو قياس مطرد عندهم والمعنى واحد ، والآيات الدالّة على اعتبار الإخلاص في العبادة كثيرة وليس فيها دلالة على اعتبار النيّة على الوجه الّذي قالوه وهم أعرف.
الرابعة : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١) (إِنَّهُ) أى المنزل.
(لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) صفة له : أى قرآن حسن مرضيّ أو كثير النفع لتضمّنه أصول العلوم المهمّة من أحوال المبدء أو المعاد ، واشتماله على ما فيه من صلاح المعاش والمعاد أو لأنّه يوجب عظيم الأجر لتاليه والعامل بأحكامه أو أنّه جليل القدر بين
__________________
ـ ج ٥ ، وفي الجامع ج ١ ص ٨٧ الرقم ٧٤٠ ، ومستدرك الوسائل ج ١ ص ٥٣ عن دعائم الإسلام ودرر اللآلي ، وأخرج الحديث من أهل السنة أيضا السيوطي في الجامع الصغير الرقم ٩٦٨١ ص ٣٧٦ ج ٦ فيض القدير.
(١) الواقعة ٧٧ و ٧٨ و ٧٩.