ويظهر من كلامي الكشّاف والبيضاوي : أي لا يصل عهدي إلى كلّ الذرّيّة مطلقا ، وإنما يصل إلى من هو بريء من ظلم نفسه ، ومعلوم أنّ فاعل المعاصي ظالم لنفسه كما قال سبحانه (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) فلا يستحقّ الإمامة. قال الشيخ في التبيان : واستدلّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ الإمام لا يكون إلّا معصوما من القبائح لأنّ الله تعالى نفى أن ينال عهده الّذي هو الإمامة ظالم ، ومن ليس بمعصوم وهو ظالم إمّا لنفسه أو لغيره.
فإن قيل : إنّما نفى أن يناله ظالم في حال كونه كذلك فأمّا إذا تاب وأناب فلا يسمّى ظالما فلا يمتنع أن يناله.
قلنا : إذا تاب لا يخرج من أن تكون الآية كانت تتناوله [متناولة له خ ل] في حال كونه ظالما فإذا نفى أن يناله فقد حكم عليه بأنّه لا ينالها ، ولم يقيّد بأنّه لا ينالها في هذه الحال دون غيرها ، فيجب أن تحمل الآية على عموم الأوقات في ذلك ولا ينالها وإن تاب فيما بعد. انتهى كلامه وهو جيّد في الغاية.
ويمكن الاستدلال علي ذلك من وجه آخر فيقال : إنّ فاعل المعصية وقتا ما يصدق عليه أنّه ظالم في الجملة أمّا على تقدير كون المشتقّ حقيقة لمن اتّصف بالمشتقّ منه وقتا ما فظاهر ، وأمّا على تقدير اشتراط الصدق حقيقة بكون المبدأ قائما به فلأنّ ذلك ليس بمراد قطعا. إذ لا يتوهّم في المباشر الظلم في وقت أن ينال العهد في ذلك الوقت فتعيّن الأوّل ويتمّ المطلوب ، وقد نفى الله تعالى العهد عمّن صدق عليه أنّه ظالم في الجملة ويلزم منه عدم جواز من اتّصف بفسق من الفسوق وقتا ما إماما. فلا بدّ في النبيّ ، والإمام القائم مقامه من كونهم معصومين من أوّل عمرهم إلى آخره من الكبائر كما هو مذهب أصحابنا ، وقد أجرى الله الحقّ على لسان البيضاوي حيث قال في تفسيرها : إنّها تدلّ على عصمة الأنبياء من الكبائر قبل البعثة ، وإنّ الفاسق لا يصلح للإمامة.