(فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) فصلّوا ما تيسّر عليكم من صلاة الليل عبّر عن الصلاة بالقراءة كما عبّر عنها بسائر أجزائها قال الشيخ في التبيان : وفي الناس من قال : هذه الآية ناسخة لما ذكره في أوّل السورة من الأمر الحتم بقيام الليل إلّا قليلا أو نصفه أو انقص منه ، وقال آخرون : إنّما نسخ ما كان فرضا إلى أن صار نفلا ثمّ قال وقد قلنا : إنّ الأمر في أوّل السورة على وجه الندب فكذلك هنا فلا وجه لتنافي الموضعين حتّى ينسخ بعضها ببعض انتهى كلامه ، وهو من الجودة بمكان ويكون علّة التخفيف ما ذكره من تعبير ضبط أوقات الليل وقوله :
(عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) استيناف لبيان حكمة أخرى مقتضية للتخفيف.
(وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ) أي يسافرون للتجارة وتحصيل العلم أو الحجّ أو الزيارات وصلة الأرحام وكلّما كان لله تعالى من المشي والسفر في الأرض.
(وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) وهو عذر آخر فإنّ المقاتلة تمنع من الصلاة بالليل فكلّ واحد ممّا ذكر عذر للتخفيف ، ومن ثمّ رتّب الحكم وهو التخفيف عليه بقوله :
(فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) من القرآن وو المراد صلّوا ما أردتم وأحببتم على ما تقدّم.
وقيل : إنّ المراد بقراءة ما تيسّر من القرآن هي القراءة نفسها استحبابا لا وجوبا فإنّ قراءة القرآن مستحبّة مطلقا خصوصا في الليل ، وقد تواتر بذلك الأخبار من طرق العامّة والخاصّة ، ويحتمل الوجوب نظرا إلى وجوبها على الكفاية لبقاء الأحكام وحفظ المعجز وأدلّة أصول الدين.
وفيه نظر. إذ قد يلغوا قيد ما تيسّر على ذلك التقدير. فتأمّل ، وعلى الاستحباب فما القدر المستحبّ. قال في مجمع البيان : اختلفوا في القدر المستحبّ (١) المراد
__________________
(١) انظر المجمع ج ٥ ص ٣٨٢.