أبلغ من الخيانة كالاكتساب أبلغ من الكسب ، ولهذا قالوا في قوله تعالى (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) (١) دلالة على مزيد عناية الله تعالى بالعباد حيث أثبت لهم الأجر بمجرّد الاكتساب ، ولم يثبت العقاب إلّا بالاكتساب الّذي هو أبلغ منه ، ويمكن أن يكون الوجه في ذلك أنّ النفس إنّما تعمل المعاصي بالميل والشهوة والسعي فهي أعمل وأجدّ في المعصية بخلاف الطاعة.
(فَتابَ عَلَيْكُمْ) قبل توبتكم عمّا صدر منكم إن تبتم عمّا فعلتم ، (وَعَفا عَنْكُمْ) ومحي عنكم ذنوب ما فعلتم من المحرّم ، وفيه دلالة على قبول التوبة سمعا لأنّه تعالى أخبر بذلك.
(فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) يعنى لمّا جوّزنا لكم ذلك ورفضنا عنكم التحريم فافعلوا ما نهيناكم عنه من المباشرة وهي كناية عن الجماع ، وأصلها إلزاق البشرة بالبشرة ، وفيه دلالة على جواز نسخ السنّة بالقرآن كما هو قول أكثر الأصوليين ، ومنع البعض ضعيف لا وجه له ، والأمر فيه للإباحة وإن كان مقتضى الأمر الوجوب وإن كان بعد الحظر على ما أشرنا إليه سابقا.
(وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) واطلبوا ما قسّمه الله لكم وأثبته في اللوح المحفوظ من الولد بتلك المباشرة : أي لا تباشروا لقضاء الشهوة وحدها وإعطاء النفس حقّها فإنّ ذلك أمر يشارككم فيه غيركم من الحيوانات العجم بل ينبغي أن يكون غرضكم بذلك ابتغاء ما وضع الله له النكاح ، وهو التناسل وحصول ولد يعبد الله ويسبّحه فإنّ ذلك هو الغرض الأصليّ من خلق الشهوة ، وشرع النكاح.
ويحتمل أن يكون المراد واطلبوا في جميع أموركم من أرزاقكم وأزواجكم وأولادكم ما كتب الله لكم : أي اقصدوا الّذي قدّره ورضيه لكم لا غيره فإنّكم تتعبون في تحصيله وقد لا يحصل ، وقيل : المراد النهي عن العزل في الحرائر ، وربّما
__________________
ـ فكأنه قد خانها نفى المنافع عنها وجر المضار إليها ، وأصل الخيانة في كلامهم النقص فعلى هذا الوجه تحمل خيانة النفس انتهى كلامه ـ قدسسره.
(١) البقرة ٢٨٦.