بالأخبار كما مرّ غير مرّة ، والخبر الدالّ على أنّه صلىاللهعليهوآله أتمّ في السفر غير مقبول عند أكثر أصحابه فضلا عن أصحابنا ، ولا حجّة في فعل عائشة (١) لجواز جهلها بالقصر ، ولأنّها لو أحسنت بالتمام لم يكن النبيّ صلىاللهعليهوآله محسنا بالقصر ، وهو باطل بالإجماع وبمقتضى ما ذكرناه تعيّن القصر في السفر فلو أتمّ أعاد إلّا أن يكون جاهلا بالحكم فإنّه معذور على ما دلّت عليه الرواية السابقة. ثمّ إنّ ظاهر الآية أنّ مجرّد صدق السفر كاف في وجوب القصر به ، وبه أخذ جماعة شاذة من العامّة زعما منهم أنّ قليل السفر وكثيره سواء في القصر ، ولكن الإجماع من العلماء منعقد على أنّه لا يكفى مجردة.
وقد اختلفوا في القدر الموجب له. فأصحابنا أجمع على أنّ القدر الموجب له قصد ثمانية فراسخ ، وعليه دلّت الأخبار المعتبرة وفي بعضها الاكتفاء بأربعة فراسخ وأخذ بها بعض أصحابنا واعتبر آخرون الرجوع ليومه أو ليلته في وجوب القصر بالأربعة وخيّر آخرون منهم بين القصر والتمام على ذلك التقدير ، وهو غير بعيد ، وقال الشافعي يعتبر مسيرة يومين أو أربعة برد ستّة عشر فرسخا ، وعن أبي حنيفة مسير ثلاثة أيّام بلياليهنّ مسير الإبل ومشى الأقدام على القصد أو ستّة برد أربعة وعشرين فرسخا ، وما قلناه
__________________
ـ ذر عن عطا قال : فهو كالموافق له ، وقال ابن التركمانى في ذيلة : عمر بن ذر ذكره ابن الجوزي في كتابه وقال : قال على بن الجنيد : كان مرجيا ضعيفا قلت : لو كان النبي أتم في سفر لم يعيبوا على عثمان حين أتم بمنى وكتب أخبارهم والسير والتواريخ مشحون بعيبهم على عثمان حتى أن ابن مسعود استرجع حين سمع ذلك وحكاه البيهقي نفسه في ص ١٤٣ وانظر في ذلك تعاليقنا على كنز العرفان ج ١ من ص ١٨٢ إلى ١٨٦ فان فيها مطالب مفيدة.
(١) قال ابن حزم في ج ٤ ص ٤٥٣ : انفرد به العلاء بن زهير الأزدي لم يروه غيره وهو مجهول ، وقال ابن التركمانى في الجوهر النقي ذيل البيهقي : وفي الحديث أمران : أحدهما أن العلاء قال فيه : ابن حبان يروى عن الثقات مالا يشبه حديث الإثبات فبطل الاحتجاج به. والثاني : أن إسناده مضطرب ، واستبعد ابن تيمية وابن القيم الجوزية على ما في ص ١٢٨ ج ١ زاد المعاد مخالفة أم المؤمنين رسول الله (ص) وجميع أصحابه فتصلي خلاف صلوته في حياته (ص) نعم أتمت بعد موت النبي (ص) ، وتأولت كما تأول عثمان ، وقد أشبعنا الكلام في تعاليقنا على كنز العرفان فراجع.