الغاية لا يقتضي تعيين الابتداء من الأصابع كما اختاره جماعة من العامّة (١) لأنّ اليد لمّا كانت تطلق على ما تحت الزند وما تحت المرفق وما تحت المنكب اقتضى الحال بيان حدّ المغسول منها ، ويكون التحديد فيها للمغسول لا للغسل فهو بمثابة أن تقول لغلامك : اخضب يدك إلى المرفق. وللصيقل : اصقل سيفي الى القبضة في أنّ المراد تحديد المصقول لا نهاية الصقل حتّى لو ابتدأ من القبضة لم يكن ممتثلا فعلى هذا الآية صالحة لكلّ من الوجهين ، والامتثال بها متحقّق على كلّ من التقديرين ، ومن ثمّ ذهب بعض أصحابنا الى ذلك (٢) ومن أوجب الابتداء من المرفق فإنّما استفاده من دليل خارج عن الآية ، وهو الأخبار الواردة عن الأئمّة الأطهار عليهمالسلام ، ولتفصيل البحث مقام غير هذا.
(وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) المسح أن يبلّ المحلّ بالماء من غير أن يسيل ، والباء للتبعيض ومجيئها له في اللغة العربيّة ممّا اعترف به محقّقوا النحاة والمفسّرين ، وصرّح الأصمعيّ بأنّها في قوله تعالى (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) للتبعيض ، ووافقه في ذلك جماعة ، ومن أنكر مجيئها فيه فلا عبرة بقوله لأنّها كالشهادة على النفي وهي غير مسموعة في مقابلة الشهادة على الثبوت ، وممّا يدلّ على كونها للتبعيض هنا صحيحة زرارة (٣) عن الباقر عليهالسلام حيث قال فيها : إنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء. الحديث
__________________
(١) الظاهر أن أهل السنة أيضا لم يقولوا بتعين الابتداء من الأصابع إلا قليل ، وإنما جعلوه سنة انظر الفقه على المذاهب الأربعة ج ١ ص ٥٦ وفي تفسير الإمام الرازي ج ١١ ص ١٦٠ المسئلة الثالثة والثلاثون السنة أن يصب الماء على الكف بحيث يسيل الماء من الكف إلى المرفق فان صب الماء على المرفق حتى سال الماء إلى الكف فقال بعضهم : هذا لا يجوز لانه تعالى قال (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) فجعل المرافق غاية الغسل فجعله مبدء الغسل خلاف الآية وجب أن لا يجوز ، وقال جمهور الفقهاء : إنه لا يخل بصحة الوضوء إلا أنه يكون تركا للسنة.
(٢) نسب إلى السيد المرتضى وابن إدريس. وعدة من متأخري المتأخرين استحباب الابتداء من المرفق ، وجواز النكس على كراهية.
(٣) رواه في التهذيب ج ١ ص ١٩ الرقم ١٦٨ والاستبصار ج ١ ص ٦٢ الرقم ١٨٦ ـ