وهو بعيد مع أنّه موجب للتكرار كما لا يخفى.
وقد اختلف المفسّرون في هذه الأيّام. فقيل : إنّها شهر رمضان ، ونقله في المجمع البيان (١) عن أكثر المفسّرين قالوا : أوجب سبحانه الصوم أوّلا فأجمله ولم يبيّن أنّه يوم أو يومان أو أكثر ثمّ بيّن أنّها أيّام معدودات وأبهم ، ثمّ بيّنه بقوله : شهر رمضان.
وقيل : إنّها غير شهر رمضان وكانت ثلاثة أيّام من كلّ شهر أو صوم يوم عاشوراء ثمّ نسخ بشهر رمضان ، والأوّل أقرب إلى الظاهر فإنّ النسخ خلاف الأصل فلا يصار إليه سيّما مع بقاء حكم ما بعدها المتفرّع عليه.
(فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) لعلّ في قوله : منكم إشارة إلى أنّ هذه العطيّة إنّما هي لمن كان سفره مباحا كما هو ظاهر حال المؤمنين (مَرِيضاً) إطلاق الآية يتناول كلّ مرض ، وبه أخذ بعض العامّة فأباح الإفطار بمطلقه قائلا إنّ الله لم يخصّ مرضا دون مرض كما لم يخصّ سفرا دون سفر ، وإليه ذهب ابن سيرين روى أنّه دخل عليه قوم في شهر رمضان وهو يأكل فاعتلّ بوجع إصبعه ، واعتبر بعض العامّة أن يجهده الصوم جهدا لا يحتمل ، وهذان القولان على طرفي النقيض ، وتوسّط أصحابنا في ذلك وخصّوه بمرض يضرّه الصوم إمّا بعسر برئه أو بطؤه أو زيادته ، وعلى ذلك انعقد إجماعهم وتظافرت به أخبارهم ، وقد يستدلّ عليه بالاعتبار المناسب الّذي يجعله مخالفونا حجّة فيقال : لم يجعل الشارع في المرض ضابطا يعلّق عليه الإفطار لاختلاف الأمراض في أنفسها إذ منها ما يضرّ صاحبه الصوم ، ومنها مالا يضرّه فلا يكون المرضى ضابطا فاعتبرت الحكم لإمكانها ، وجعل المناط في ذلك ما يخاف
__________________
ـ أقول : إنه يستقيم أن ينتصب أياما بالصيام إذا جعلت الكاف من قوله (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) في موضع نصب على الحال ، أى مفروضا مثل ما فرض عليهم فيكون ما موصولا وكتب صلته ، وفي كتب ضمير يعود إلى ما ، والموصول وصلته في موضع جر بإضافة الكاف إليه والكاف موضع النصب بأنه صفة للمحذوف الذي هو الحال من الصيام فعلى هذا لم يفصل بين الصلة والموصول ما هو أجنبي منهما على ما ذكره الشيخ أبو على ، انتهى.
(١) انظر المجمع ج ١ ص ٢٧٣.