قلت : ما ذكره من عصمة الأنبياء من الكبائر قبل البعثة حقّ لقيام الأدلّة القطعيّة عليه ، أمّا دلالة الآية على ذلك فغير واضحة لظهور أنّ المراد بالعهد فيها الإمامة كما عرفت فإنّ إبراهيم صلىاللهعليهوآله قد كان نبيّا ، وأراد الله بذلك أن يجمع لإبراهيم عليهالسلام النبوّة والإمامة قال الشيخ في التبيان : واستدلّ أصحابنا أيضا بها على أنّ منزلة الإمامة منفصلة من النبوّة لأنّ الله تعالى خاطب إبراهيم عليهالسلام فقال له : إنّه سيجعله إماما جزاء له على إتمامه ما ابتلاه الله به من الكلمات ، ولو كان إماما في الحال لما كان للكلام معنى فدلّ ذلك على أنّ منزلة الإمامة منفصلة من النبوّة ، وإنّما أراد الله أن يجمعهما لإبراهيم عليهالسلام. انتهى ، وهو ظاهر فيما قلناه ، وأمّا دلالتها على أنّ الفاسق لا يصلح للإمامة فحقّ لما عرفت ، ولكنّه خلاف مذهب الأشاعرة بل خلاف معتقده أيضا فإنّه يعتقد وقوع الكبائر منهم عليهمالسلام مثل ما وقع من آدم وسمّى عاصيا في قوله (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) وقوله (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) ونحو ذلك كما يعرف من كلامه بل يجزم بوقوع الكفر ممّن يعتقد إمامته كالشيخين لسبق كفرهما ، وتخصيص الآية بالنبوّة بعيد. إذ الظاهر أنّ المراد بها الإمامة كما عرفت ، ولصاحب الكشّاف هنا كلام جيّد هذا لفظه (١). وقالوا : في هذا دليل على أنّ الفاسق لا يصلح للإمامة ، وكيف يصلح لها من لا يجوز حكمه وشهادته ، ولا تجب طاعته ، ولا يقبل خبره ، ولا يقدّم للصلاة وكان أبو حنيفة يفتي سرّا بوجوب نصرة زيد بن علىّ وحمل المال إليه. والخروج على اللصّ المتغلّب المسمّى بالإمام والخليفة كالدوانيقي وأشباهه. وقالت له امرأة : أشرت على ابني بالخروج مع إبراهيم ، ومحمّد ابني عبد الله بن الحسن حتّى قتل : فقال : ليتني مكان ابنك ، وكان يقول في المنصور وأشباهه : لو أرادوا بناء مسجد وأرادوني على عدّ آجره لما فعلت ، وعن ابن عيينة لا يكون الظالم إماما قطّ ، وكيف يجوز نصب الظالم للإمامة
__________________
(١) وللمصنف كلام لطيف متعلق بهذا الموضع عند تفسير (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) فانتظر.