(وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) : أى وسوسته إليكم وتخويفه إيّاكم فقد روى أنّ الكفّار سبقوا المسلمين إلى الماء (١) فاضطرّ المسلمون ونزلوا على تلّ من رمل سيّال لا تثبت فيه أقدامهم ، وأكثرهم خائفون لقلّتهم وكثرة الكفّار فباتوا تلك الليلة على غير ماء فاحتلم أكثرهم ، وقد غلب المشركون على الماء فوسوس إليهم الشيطان. وقال : كيف تنصرون وقد غلبتم على الماء وأنتم تصلّون محدثين مجنبين وتزعمون أنّكم أولياء الله وفيكم رسوله فأشفقوا فأنزل الله المطر ليلا حتّى جرى الوادي واتّخذوا الحياض غدوة الوادي ، وسقوا الركاب واغتسلوا وتوضّؤوا وتلبّد الرمل الّذي بينهم وبين عدوّهم حتّى تثبت فيه القدم وزالت الوسوسة ، ويحتمل أن يراد برجز الشيطان الجنابة الحاصلة بالاحتلام لأنّها من فعله وتخييله فيكون فيه إشارة إلى رفع الحدث. وفي قوله : ليطهّركم إلى إزالة الخبث.
(وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ) ويقويها ليحصل لها الوثوق بلطف الله.
(وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) أى بالمطر حتّى لا تسوخ في الرمل أو في الربط حتّى يثبت بالمعركة ، ولا تكون متزلزلة ، وفي الآية دلالة على كون الماء المطلق مطهّرا يتطهّر به من حدث الجنابة وغيره لإطلاق التطهير به ، وهو يتحقّق من الحدث والخبث ، وقد انعقد إجماع الأمّة على ذلك وتظافرت به الأخبار ، وقد يستدلّ بها على نفى كون غير الماء المطلق مطهّرا ، ووجّهه العلّامة في المختلف بأنّه تعالى خصّص التطهير بالماء فلا يقع في غيره.
أمّا المقدّمة الأولى ، فلأنّه تعالى ذكرها في معرض الامتنان. فلو حصلت الطهارة بغيره أيضا لكان الامتنان بالأعمّ أولى ولم يكن للتخصيص فايدة.
وأمّا الثانية : فظاهرة ، واعترضه بعض المتأخّرين أنّه يجوز التخصيص بالذكر
__________________
(١) قال الشوكانى في تفسيره فتح القدير ج ٢ ص ٢٧٩ بعد نقله الرواية! إن المشهور في كتب السير المعتمدة أن المشركين لم يغلبوا المؤمنين على الماء بل المؤمنون هم الذين غلبوا عليه من الابتداء ، وهذا المروي عن ابن عباس في إسناده العوفي وهو ضعيف جدا.