تصنعون عند الوضوء وعند الغائط فقالوا : يا رسول الله نتّبع الغائط الأحجار الثلاثة ثمّ نتّبع الأحجار الماء فتلا النبيّ صلىاللهعليهوآله الآية.
فعلى الأوّل فيها دلالة على استحباب إزالة الغائط مطلقا بالماء ، وإن جاز بالأحجار على أن يكون أفضل الفردين كما قاله الفقهاء لأنّه أقوى المطهّرين لإزالته العين والأثر.
وعلى الثاني فيها دلالة على استحباب الجمع بينهما لما فيه من المبالغة في الاستظهار وقد ذكر الفقهاء ذلك أيضا ، ويستفاد منها استحباب المبالغة في الاجتناب عن النجاسات وإنّ ترتّب الثواب على العمل لا يشترط فيه العلم بذلك فلو فعله جاهلا به ترتّب عليه ثوابه ، وفي الأخبار دلالة على ذلك أيضا ، وقد يستفاد من الآية استحباب الكون على الطهارة ، واستحباب المبالغة في الاجتناب عن المحرّمات والمكروهات والحرص على الطاعات والحسنات ونحوها بيان ذلك أنّ الطهارة هنا ليست مخصوصة بمعناها الشرعيّ الّذي هو رفع الحدث أو استباحة الصلاة اتّفاقا فلم يبق إلّا معناها اللغويّ : أي النزاهة والنظافة ، وهو يعمّ جميع ذلك كما لا يخفى ، وإلى هذا نظر البيضاوي حيث قال : أى المتنزّهين عن الفواحش والأقذار والإتيان في غير المأتي ، وفي الكشّاف أنّه عامّ في التطهير من النجاسات كلّها.
السادسة : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) (١).
(وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً) أى مطرا فالمراد بالسماء إمّا السحاب بناء على أنّ كلّ ما علا يطلق عليه السماء لغة ، ولذا سمّوا سقف البيت سماء ، وإمّا الفلك بمعنى أنّ ابتداء نزول المطر منه إلى السحاب ، ومن السحاب إلى الأرض.
(لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) لعلّ المراد بتطهير الله إيّاهم توفيقهم للطهارة أو الحكم بها بعد استعمال الماء على الوجه المعتبر : أى من الحدث والجنابة.
__________________
(١) الأنفال ١١.