الخامسة : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً) (١).
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً) أي ذوي خلفة يخلف كلّ واحد منهما صاحبه ، ويقوم مقامه فيما ينبغي أن يعمل فيه فمن فاته عمل الليل استدركه بالنهار وبالعكس أو المراد يعقّب كلّ منهما الآخر كقوله (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) والخلفة : الحالة الّتي يختلف عليها من خلف كالركبة ، والجلبة ، وقيل : المراد أنّه جعل كلّ واحد منهما مخالف لصاحبه فجعل أحدهما أسود والآخر أبيض.
(لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً) وهما في الحقيقة سبب غائى للجعل المذكور : أى جعل ذلك ليحصل بذكر النعمة والتفكّر في صنعة. إذ يعلم أنّه لا بدّ لهما من صانع حكيم واجب الوجود رحيم على العباد واجب الشكر على إنعامه ، وكلمة أو لمنع الخلوّ واستدلّ بها على مشروعيّة قضاء فائتة الليل بالنهار ، وبالعكس ، ويؤيّده ما رواه ابن
__________________
ـ احتراق آخر مستند إلى النار الأخرى ، وإن كان هذان الوصفان أعنى الاستناد إليها وكون الاحتراق الثاني احتراقا آخر غير مستندين إلى تأثير السبب.
إذا عرفت ذلك فنقول : الأمر بالقضاء بنحو الإطلاق أعني بدون تحديد مدة له لا بد وأن يعامل معه معاملة العلة للعمل في الخارج فهو حجة على العبد بمعنى أن العبد ليس له أن يؤخر العمل ويعتذر بأن الإطلاق يقتضي جواز التأخير أو يقول : بأن تقييد العمل بالفورية مشكوك فيه ومقتضى الأصل البراءة هذا من جهة الشك في كون القضاء واجبا فورا ، وأما من جهة الشك في صحة الحاضرة من جهة احتمال أن يكون الشرط في صحتها ترتبها على الفائتة كما في ترتب العصر على الظهر مثلا فنقول : وإن كان الشك من هذه الجهة من مصاديق تردد الواجب بين المطلق والمقيد وبنينا على البراءة في الأصول ، ولكن يحتمل هنا أن يكون القول بصحة الفريضة والقول بالمضايقة في القضاء إحداث قول ثالث كما يظهر من بعض الكلمات فالعمدة في المقام التمسك بالأخبار الدالة على جواز البدئة بالفريضة مع كون الذمة مشغولة بالقضاء كما شرحنا سابقا. انتهى كلامه ـ رفع مقامه ـ
(١) الفرقان ٦٢.