ولو سلّم فأقصى ما تدلّ عليه الوجوب عند الذكر ونحن نقول به أمّا الوجوب على التضييق فلا ، والحديث معارض بمثله ممّا دلّ على جواز تقديم الحاضرة مع السعة ، والجمع بينها بالاستحباب كما قلناه طريق الجمع بين الأدلّة.
(إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ) كائنة لا محالة.
(أَكادُ أُخْفِيها) أريد إخفاء وقتها أو أقرب إن اخفيها كما هو ظاهر كاد فلا أقول إنّها آتية ، ولو لا ما في الإخبار بإتيانها من اللطف وقطع الأعذار لما أخبرت به أو أكاد أظهرها من أخفاه إذا سلب خفاه فالهمزة للإزالة ، وفيه إيماء إلى أنّه ينبغي المبادرة إلى العبادة والصلاة.
(لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) تتعلّق بآتية أو باخفيها بالمعنى الأخيرة ، وفيه دلالة على أنّ مجازاة كلّ نفس بحسب عملها. فمن عمل الطاعات أثيب عليها ، ومن فعل المعاصي عوقب بحسبها ، فاستدلّت به المعتزلة على أنّ أعمال العباد بسعيهم. إذ لو لم يكن كذلك لما صحّ هذه الاسناد ، ولو لم يكن ثواب مستحقّا على العمل لم يكن لباء السببيّة معنى ، وما أجاب عنه الأشاعرة بأنّ اعتبار الوسط لا ينافي انتهاء الكلّ إليه بعيد في الغاية وتحقيقه في الكلام ، وقد يستدلّ به على عدم إجزاء العبادة مع فعل الغير لكن أخرج منه بعض المواضع للإجماع كما يعلم تفصيله من محلّه.
__________________
ـ على الفائتة مرجعها البراءة لكن فيه إشكال يجب التنبيه عليه ، وهو أن الأمر المتعلق بموضوع خاص غير مقيد بزمان وإن لم يكن مدلوله اللفظي ظاهرا في الفور ولا في التراخي ، ولكن لا يمكن التمسك به للتراخي بواسطة الإطلاق ، ولا التمسك بالبراءة العقلية لنفى الفورية لأنه يمكن أن يقال : بأن الفورية وإن كانت غير ملحوظة للأمر قيدا للعمل إلا أنها من لوازم الأمر المتعلق به فإن الأمر تحريك إلى العمل وعلة تشريعية ، وكما أن العلة التكوينية لا تنفك عن معلولها في الخارج كذلك العلة التشريعية تقتضي عدم انفكاكها عن معلولها في الخارج وإن لم يلاحظ الأمر ترتبه على العلة في الخارج قيدا ، وهذا نظير ما اخترناه أخيرا في باب تداخل الأسباب أن الأصل عد التداخل فان السببين وإن كانا واردين على الطبيعة الواحدة لكن مقتضى تأثير كل واحد منهما أن يوجد وجود خاص مستند إليه كما أن مقتضى سببية النار لاحراق ما تماسه تحقق الاحتراق المخصوص المستند إلى النار وإن تعدد النار المماسة لجسم آخر مثلا يتحقق ـ