(إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ) أي أذّن لها أذانا موافقا لدخول الوقت لأنّه الموجب للصلاة والتعليق بالأذان لكونه من لوازمه ، والمراد بها صلاة الجمعة باتّفاق المفسّرين ، ومقتضى ذلك أنّ الصلاة لو وقعت قبل دخول الوقت لم تجز لعدم تعلّق الأمر بها ، وخالف مالك هنا فجوّز فعلها قبل دخول الوقت حتّى قال بعض أصحابه : إنّ وقتها وقت صلاة العيد ، وهو ضعيف جدّا لظاهر الآية ، ولقوله صلىاللهعليهوآله : صلّوا كما رأيتموني أصلّي (١) ولم يعهد منه صلىاللهعليهوآله صلوتها إلّا بعد الزوال ، والأذان المعتبر لها عندنا إذا جلس الإمام على المنبر يوم الجمعة قال الطبرسي في مجمع البيان : وذلك لأنّه لم يكن على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله نداء سواه قال السائب بن يزيد (٢) : كان لرسول الله صلىاللهعليهوآله مؤذّن واحد بلال ، فكان إذا جلس على المنبر أذّن على باب المسجد فإذا نزل أقام للصلاة. ثمّ كان أبو بكر وعمر كذلك حتّى إذا كان عثمان وكثر الناس وتباعدت المنازل زاد مؤذّنا آخر يؤذّن على سطح دار له بالسوق يقال له : الزوراء ، وكان يؤذّن له عليها فإذا جلس عثمان على المنبر أذّن مؤذّنه الثاني فإذا نزل أقام للصلاة فكان ذلك بدعة له.
(مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) بيان لإذا ، وتفسير له ، كذا في الكشّاف ، وقد يقال : اليوم أعمّ من وقت النداء والعامّ لإبهامه لا يصير بيانا ظاهرا فالأولى أن تكون من للتبعيض ، ويحتمل كونها زائدة وكونها بمعنى في وهما أوفق بالمقصود.
(فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) فامضوا إليه مسرعين على القصد غير متثاقلين فإنّ السعي دون العدو قال ابن مسعود : لو علمت الإسراع لأسرعت حتّى يقع ردائي عن كتفي ، وقال الحسن : ما هو السعي على الأقدام ، وقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلّا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنيّة والخشوع وقيل : المراد امضوا واذهبوا إلى السعي الّذي
__________________
(١) قد مر مصادر الحديث في ص ٢٠٨ من هذا الجزء.
(٢) انظر البحار ج ١٨ ص ٧١٤ والدر المنثور ج ٦ ص ٢١٥ واسد الغابة ج ٢ ص ٢٥٨ والكشاف ج ٣ ص ٢٣٠ وليس في الكشاف نسبته إلى السائب بن يزيد ، وانظر أيضا نيل الأوطار ج ٣ من ص ٢٧٨ إلى ٢٨٠ وفيه مصادر الحديث ، وألفاظه المختلفة.