والامتنان بأحد الشيئين الممتنّ بهما إذا كان أحدهما أبلغ وأكثر وجودا وأعمّ نفعا فجاز كون التخصيص بالماء لذلك لا لكونه مختصّا بالحكم.
ثمّ إنّه وجّه في الاحتجاج بالاية طريقا آخر حاصله : أنّ النجاسة والطهارة حكمان شرعيّان يطريان على المحلّ فإذا ثبت أحدهما لم يرتفع إلّا بدليل من الشرع استصحابا لما ثبت فمع الحكم بالنجاسة إذا غسل بالماء المطلق يطهر بظاهر الآية ، وغيره لا يطهر تمسكا بالاستصحاب وعدم وجود دليل ، ولا يخفى أنّ الاعتراض وارد والتوجيه (١) بعيد لأنّ مرجعه الاحتجاج على كون الماء المطلق مطهّرا بالآية وعلى نفى طهوريّة المضاف بالاستصحاب وهو خروج عن الوجه المستدلّ به إلى وجه آخر ، والحاصل أنّ كون الماء المطلق مطهّرا أمر معلوم من الآية إنّما الكلام في دلالة الآية على نفى كون غيره مطهّرا ، وحديث الاستصحاب أجنبيّ منه. إذ يمكن تقريبه من دون ملاحظة الآية فيقال : النجاسة والطهارة حكمان شرعيّان ، وقد ثبت بالضرورة كون الماء المطلق في الجملة مطهّرا فإذا غسل به النجس طهر ومع غسله بغيره لم يطهر عملا بالاستصحاب.
واعلم أنّ المستفاد من أكثر الآيات أنّ المياه النابعة في الأرض كلّها أو جلّها من المطر كقوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ) (٢) وقوله تعالى (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً) (٣) وقوله
__________________
(١) يمكن تقرير التوجيه بما يندفع عنه البعد بأن يقال : الشيء إذا حكم بنجاسته شرعا فالحكم بطهارته يتوقف على حكم الشارع بالطهارة ، ولم يعلم حكم الشارع بالطهارة إلا في الماء المطلق فيبقى غيره على المنع حتى يثبت الدليل وهو كلام جيد غير أن ما ذكره الأصحاب قد يأباه منه.
(٢) الزمر ٢١.
(٣) الفرقان ٤٩.