(وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) (١) قال الشيخ في التبيان : يعنى أنّه تعالى أسكن الماء المنزل من السماء في الأرض وأثبته في العيون والأودية ونحوها من الآيات.
وقد صرّح جماعة بأنّ مياه الأرض كلّها من السماء ، وعلى هذا فيتمّ الاستدلال بها على كون الماء من حيث هو مطهّرا من الأحداث والأخباث ، ولكنّها كالمجملة وتفاصيل أحكامها وما يلحقها من كونها جارية أو راكدة مياه آبار ونحوها ، وما ينجسها وما يزيد حكم نجاستها يعلم من السنّة المطهّرة الواردة عن أصحاب العصمة عليهمالسلام.
وقد يستدلّ بها على نجاسة المنيّ بناء على أنّ المراد برجز الشيطان المنىّ الحاصل من الجنابة ، والرجز بمعنى الرجس : أى النجس ، وفيه نظر لأنّ الرجس بمعنى القذر وهو أعمّ من النجاسة نعم النجاسة فيه ثابتة من خارج الآية ، وقد انعقد إجماعنا على النجاسة ، ووافقنا أكثر العامّة ، وخالف الشافعيّ فحكم بطهارة منيّ الإنسان لما روى عن عائشة قالت : كنت أفرك (٢) ثوب رسول الله صلىاللهعليهوآله ثمّ يصلّى فيه ، وفي الدلالة نظر إذ بعد تسليم الخبر يجوز أن يكون نجسا وإزالته بالفرك ، وتمام البحث يعلم من الفروع ، وفيها أيضا دلالة على إباحة المياه وجواز التصرّف فيها على أيّ وجه كان حتّى يثبت المانع ، ونحو الآية المذكورة في إفادة التطهير بالماء قوله تعالى (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) أى طاهرا في نفسه مطهّرا لغيره مزيلا للأحداث أو الأخباث ، وفي وصفه تعالى الماء بكونه طهورا مطلقا يدلّ على أنّ الطهوريّة صفة أصليّة للماء المطلق ثابتة له قبل الاستعمال بخلاف قولهم نحو ضارب لأنّه إنّما يوصف به بعد ضربه ، والطهور في لغة العرب هو المطهّر لغيره لأنّهم لا يفرّقون بين قول القائل هذا ماء طهور ، وهذا ماء مطهّر ، وأيضا وجدنا العرب تقول : هذا ماء طهور ، وهذا تراب طهور ولا
__________________
(١) المؤمنون ١٨.
(٢) انظر المنتقى بشرح نيل الأوطار ص ٦٥ ج ١ ولهم روايات أخر بألفاظ مختلفة واستنتج الشوكانى في ص ٩٧ بعد نقله الأقوال أن التعبد بالإزالة غسلا أو مسحا أو فركا أو سلتا أو حكا ثابت ، ولا معنى لكون الشيء نجسا إلا أنه مأمور بإزالته بما أحال عليه الشارع قال : فالصواب أن المنى نجس يجوز تطهيره بأحد الأمور الواردة.