عطف التلقين كأنّك تلقّن المخاطب العطف ، والكلام في تقدير واجعل بعض ذرّيّتي ، وهذا العطف على نوعين :
أحدهما : ما يصحّ أن يقع ما في كلامك بعينه في كلام مخاطبك كما تقول : وزيدا في جواب من قال : ساكرمك بعطف زيد على الكاف في ساكرمك. والمراد وتكرم زيدا.
والثاني : ما لا يصحّ وقوعه بعينه فيه كما تقول : وغلامي في جواب من قال : أكرمت زيدا على أنّه ضمير المتكلّم ، والمراد وأكرم غلامي ، والآية الكريمة من قبيل الثاني ، والتقدير الّذي يذكره النحاة فيه إنّما هو لربط الكلام ، وتوضيح المرام لا لأنّ المقدّر هو المعطوف فإنّهم لا يتحاشون عن إطلاق المعطوف على كلمة ، وإن كان الكلام لا يستقيم إلّا بتقدير اخرى ، ومن ثمّ قالوا في قوله تعالى (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) إنّ زوجك معطوف على المستكن في أسكن ، والمعنى ولتسكن زوجك ، ومثل ذلك في كلامهم كثير.
فإن قلت : كيف يصحّ العطف على الضمير المجرور أعنى الكاف في جاعلك من دون إعادة الجارّ؟
قلنا : لمّا كانت الإضافة اللفظيّة في تقدير الانفصال صحّ العطف المذكور.
«والذرّيّة» بمعنى النسل مأخوذة إمّا من الذرء أو الذرّ أو الذر وأو الذرى فهي فعيلة أو فعليّة قلبت راؤها الثالثة ياء كما في التقضي أو فعولة أو فعيلة وقلبت همزتها ياء.
(قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) إجابة إلى ملتمسه وأنّه يعطى الإمامة بعض ذرّيّته وتنبيه على أنّه قد يكون من ذرّيّته ظلمة فلا يصلحون أن ينالوا عهده ، وإنّما قلنا : إنّ في ذلك إجابة لملتمسه لأنّه لو لم يرد أن يجعل أحدا منهم إماما للناس كان يجب أن يقول في الجواب : لا ينال عهدي ذرّيّتك كذا قال الشيخ في التبيان ، والمراد بالعهد هنا الإمامة ، وهو الظاهر من سياق الكلام ، وهو المرويّ عن الصادق والباقر عليهماالسلام(١)
__________________
(١) انظر المجمع ج ١ ص ٢٠٢ وتفسير البرهان ج ١ من ص ١٤٧ إلى ١٥١.