قلبه من صداء الهواجس وتنتقش بالجلايا القدسيّة والمعارف الحقيّة ، ومن ثمّ شرع السجود هنا ، ولا خلاف في أنّ هنا سجدة هي أوّل سجدات القرآن ، وإنّما اختلفوا في وجوبها واستحبابها ، والأكثر على الاستحباب وهو قول أصحابنا والشافعيّة وجماعة من العامّة.
وقال جماعة : بالوجوب ، ودليله غير واضح ، وسجدة التلاوة في خمسة عشر موضعا من القرآن (١) في هذا الموضع ، وفي الرعد (٢) ، والنحل ، وبني إسرائيل ، ومريم ، والحجّ في موضعين ، والفرقان ، والنمل ، والم تنزيل وهي سجدة ، ولقمان ، وص ، وحم السجدة ، والنجم ، والانشقاق ، واقرأ باسم ربّك ، ولا خلاف بين علمائنا في ذلك ، والخلاف مع العامّة في الثلاث الأخير ، وفي السجدة الثانية للحجّ ، وفي ص. فقال الشافعي : ليس في الثلاث الأخيرة سجود لأنّها واقعة في المفصّل ، وقد روي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله لم يسجد في شيء من المفصّل (٣) مذ تحوّل إلى المدينة.
وقال أبو حنيفة : ليس في ثانية الحجّ سجود لأنّه جمع فيها بين الركوع والسجود
__________________
(١) وفي الباب حديث عن أم الدرداء عن أبى الدرداء أنه سجد مع النبي (ص) إحدى عشرة سجدة منها التي في النجم أخرجه الترمذي ج ٢ ص ٤٥٧ الرقم ٥٦٨ وابن ماجة ص ٣٣٥ الرقم ١٠٥٥ وأبو داود ج ٢ ص ٧٩.
(٢) انظر تفصيل مواضع السجدة في العروة الوثقى المسئلة ٢ من مسائل سائر أقسام السجود ، وانظر أيضا دعائم الإسلام ط دار المعارف بالقاهرة ج ١ ص ٢١٤ والحدائق ج ٨ ص ٣٢٩ والبحار ج ١٨ الصلاة ص ٣٧١.
(٣) تفرد به من أصحاب الصحاح أبو داود أخرجه في ج ٢ ص ٧٩ الرقم ١٤٠٣ وفي سنده أبو قدامة ومطر الوراق وهما ضعيفان وانظر ترجمة أبى قدامة الأيادي البصري واسمه الحارث بن عبيد في ميزان الاعتدال ج ١ ص ٤٣٨ الرقم ١٦٣٢ نقل فيه تضعيفه عن أحمد وابن معين والنسائي وابن حبان ، ونقل الحديث أيضا. وقال مطر : رديء الحفظ وهذا منكر فقد صح أن أبا هريرة سجد مع النبي في إذا السماء انشقت وترجم مطر الوراق في ج ٤ ص ١٢٦ الرقم ٨٥٨٧ ونقل تضعيفه عن ابن سعد وأبى حاتم وأحمد ويحيى والنسائي ، وفيه وقال عثمان بن دحية : لا يساوى دستجه بقل (الدسجة الخرمة معرب والجمع دساتج) وأوضح ضعف الحديث أيضا ابن القيم الجوزية في إعلام الموقعين ج ٢ ص ٣٩٠.