التضرّع والخوف.
فإن قيل : الخوف إمّا خوف العقاب وهو مقام المذنبين أو خوف الجلال وهو مقام العارفين ، وهو ممتنع الزوال فمات كلّ من كان أعرف بجلال الله كان هذا الخوف في قلبه أكمل.
قلنا : لأصحاب المكاشفات مقامين : مكاشفات الجلال ومكاشفات الجمال فإذا فإنّهم إذا كوشفوا بالجمال عاشوا ، وإذا كوشفوا بالجلال طاشوا ، والمراد بالخيفة إمّا خوف التقصير في الأعمال أو خوف الخاتمة بل خوف السابقة فإنّها علّة الخاتمة ، ولذلك قال صلىاللهعليهوآله : جفّ القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة (١) أو المراد خوف مقابلة نعم الله الّتي لا حصر لها ولا عدّ بطاعاته الناقصة وأذكاره القاصرة.
(وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) عطف على تضرّعا : أى ومتكلّما كلاما فوق السرّ ودون الجهر فإنّه أدخل في الخشوع والإخلاص ، وذلك قد يكون واجبا إذا كان موجبا لترك الرياء أو تكون القراءة واجبة فإنّه حينئذ يجب إسماع النفس بحيث يخرج عن حديث النفس ولا يكون غالبا بحيث يخرج عن الحدّ ، والفقهاء وإن قالوا ذلك في صلاة الفريضة إلّا أنّه يمكن جريانه في مطلق القراءة الواجبة بل مطلق القراءة والدعاء ، ويحتمل أن يكون عطفا على نفسك : أي وقعا دون الجهر من القول والمراد استحباب إخفات الذكر والدعاء والقراءة دون المقدار الواجب ليبعد عن الرياء فإنّ البعد عنه مطلوب كما قالوه في استحباب السرّ في التصدّق ونحوه ، وكذا الكلام في سائر العبادات فإنّ الإخلاص منها هو العمدة فكلّما بعدت عن شبهة الرياء كانت أولى ، ولعلّ التصريح بالنفس هنا للدلالة على اعتبار القصد في الذكر وكونه بالقلب واللسان معا فلو عرى عن ملاحظة القلب لم يترتّب عليه الأثر المطلوب لأنّ المراد بذكر النفس السرّ لقوله : ودون الجهر فيلزم التكرار. فتأمّل.
__________________
(١) عقد البخاري لهذا بابا انظر فتح الباري ج ٢٤ من ص ٢٩٢ إلى ٢٩٥ ، وبسط ابن حجر في الحديث ، وألفاظه المختلفة مثل جف القلم بما أنت لاق أو جف القلم بما هو كائن أو جفت الأقلام وطويت المصاحف ، وغيرها. فراجع.