(لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي لترحموا بذلك فإن اتّباع أوامر القرآن والاتّعاظ به يوجب المرحمة.
(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) وهو عامّ في الأذكار من القراءة والدعاء والتسبيح والتهليل وغير ذلك ، ويحتمل أن يكون المراد أمر المأموم بالذكر سرّا إذا كان في صلاة لا يجهر فيها ، ورواه في التبيان عن زرارة عن أحدهما عليهالسلام (١) إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت ، وسبّح في نفسك يعنى فيما لا يجهر به.
وقيل : المراد اذكر نعمة ربّك بالتفكّر في نفسك وقيل : أذكره في نفسك بصفاته العليا وأسمائه الحسنى ، ولعلّ في تخصيص اسم الربّ دون الإله وغيره تنبيها على أنّ سبب الذكر هو التربية والإنعام وليدلّ على الطمع والرجاء.
(تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) يحتمل انتصابهما على الحالية من فاعل اذكر : أي متضرّعا وخائفا أو على نزع الخافض : أي بتضرّع وخوف ، والمراد التضرّع في الدعاء والخوف منه تعالى.
والوجه في هذا القيد بعد القيد الأوّل أنّ كمال حال الإنسان إنّما يحصل بانكشاف أمرين :
الأوّل : عزّة الربوبيّة ، وهو إنّما يتمّ الأوّل أعني قوله (اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ).
الثاني : مشاهدة ذلّة العبوديّة ، وهو إنّما يكمل بقوله (تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) فالانتقال من الذكر : أى التضرّع يشبه الصعود ، وبهما يتمّ معراج الأرواح القدسيّة.
فإن قيل : معرفة الله تعالى يلزمها التضرّع والخوف.
قلنا : ليس ذلك مطلقا ، إذ قد يستحكم في عقل الإنسان أنّ الله تعالى لا يعاقب أحدا. إذ العقاب إيذاء ولا فائدة لله تعالى فيه فيحكم بأنّه لا يعذّب فلا يكمل
__________________
(١) التهذيب ج ٣ ص ٣٥ الرقم ١٢٧ والاستبصار ج ١ ص ٤٢٨ الرقم ١٦٥١ والكافي ص ١٥٠ ج ١ والعياشي ج ٢ ص ٤٤ والمجمع ج ٢ ص ٥١٥.