قلت : ويؤيّد الرواية المذكورة ما رواه الشيخ أيضا في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليهالسلام (١) قال : سألته عن الرجل يؤمّ القوم وأنت لا ترضى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة. فقال : إذا سمعت كتاب الله يتلى فأنصت له ، وساق الحديث إلى أن قال : إنّ عليّا عليهالسلام كان في صلاة الصبح فقرأ ابن الكواء وهو خلفه (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) فأنصت عليّ عليهالسلام تعظيما للقرآن حتّى فرغ من الآية. ثمّ عاد في قرائته ثمّ أعاد ابن الكواء الآية فأنصت عليّ عليهالسلام أيضا ثمّ قرء وأعاد ابن الكواء فأنصت عليّ عليهالسلام ثمّ قال : فاصبر إنّ وعد الله حقّ ولا يستخفنّك الّذين لا يوقنون ثمّ أتمّ السورة ثمّ ركع قال الشيخ في التهذيب : ألا ترى أنّ أمير المؤمنين مع كونه في الصلاة أنصت لقراءة القرآن ثمّ عاد إلى قرائته لنفسه وأتمّ الصلاة بها ، وظاهره أنّه لو كان في غير الصلاة فالإنصات أولى ويظهر منه القول بوجوب ترك القراءة على المأموم مع السماع ، وقد والأخبار صرّح به في كتبه الفقهيّة وتابعه في ذلك جماعة من الأصحاب مستدلّين بظاهر الأمر في الآية الكريمة المعتبرة الإسناد الدالة على النهي عن القراءة مع السماع ، وما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله إنّما جعل الإمام إماما ليأتمّ به فإذا كبّر كبّروا وإذا قرأ فأنصتوا (٢).
وفي كلّ من الأدلّة نظر أمّا الآية فغير ظاهرة الدلالة على أنّ المراد بها إنصات المأموم بل يحتمل غيره احتمالا بيّنا على ما عرفت ، فسقطت الدلالة ، والأخبار الدالّة على النهي عن القراءة مع السماع معارضة بمثلها ، ومن ثمّ ذهب إليه جماعة من الأصحاب إلى كراهة القراءة على ذلك التقدير جمعا بين الأخبار ، ولا يخلوا الجمع عن تكلّف ، والحقّ أنّ المسئلة من المشكلات بسبب اختلاف الأخبار وأقوال الأصحاب وقد أوضحنا الحال في شرح الدروس.
__________________
(١) رواه في التهذيب ج ٣ ص ٣٥ الرقم ١٢٧ ، وروى شطرا منه في الاستبصار ج ١ ص ٤٣٠ الرقم ١٦٦١.
(٢) قد عقد البخاري له بابا انظر فتح الباري ج ٢ من ص ٢١٣ إلى ٢٢٢ وسائر كتبهم.