قال الراغب (١) : والتائب يقال لباذل التوبة ولقابل التوبة فالعبد تائب إلى الله والله تائب على عبده. والتواب : العبد الكثير التوبة وذلك بتركه كل وقت الذنوب على الترتيب حتى يصير تاركا للجميع. وقد يقال لله تعالى ذلك. لكثرة قبوله توبة العباد حالا بعد حال. أقول : ومنه قوله تعالى (٢) : (إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً).
الجهة الثانية : من ناحية هيئة الكلمة ، من حيث كونها صيغة مبالغة.
وهنا يمكن طرح سؤال : لما ذا استعمل صيغة المبالغة ولم يستعمل صيغة اسم الفاعل. أعني : تائب؟
جوابه : من عدة وجوه :
الوجه الأول : اختلال السياق اللفظي والنسق القرآني ، كما هو واضح.
الثاني : إن فعل المضارع «يتوب» وإن أمكن انطباقه على الجهتين : باذل التوبة وقابلها. إلّا أن اسم الفاعل «تائب» أقل ظهورا في ذلك. بل هو ظاهر بباذل التوبة ، وهو العبد ، إلّا أن يقيد بقرينة. مثل أن يقال : إن الله تائب على عبده. وإلّا فظهوره في العبد مما لا ينكر. في حين أن مقصود المتكلم في القرآن كون الله سبحانه هو التائب. وهذا لا يكون إلّا بصيغة المبالغة.
الثالث : إن صيغة المبالغة تفيد أمرين :
أحدهما : إنه سبحانه سريع التوبة وكثيرها. والمراد أنه يتوب ويغفر وإن كانت الذنوب كثيرة ، وأنه لا بأس من رحمة الله. فليس الله تائبا عن عبده مرة أو مرتين ، بل كثير التوبة عنه والرحمة له.
ثانيهما : الاستقبالية. فلو قال : تائبا ؛ لم يكف ، لأن المراد وقوع الاستغفار لا في الماضي. والسياق كله للاستقبال. كما عرفنا. فتكون الأنسب صيغة المبالغة.
__________________
(١) المفردات : مادة «رغب».
(٢) النصر / ٣.