ثانيا : ليس كل إضلال يلزم منه الجبر ، وإن كان الإضلال الابتدائي كذلك. إلّا أن هناك أنواعا من الإضلال إنما يحصل كعقوبة على ذنوب سابقة ، وهي من العقوبة المعجلة في الدنيا ، سواء كانت ظاهرية أو معنوية.
فمن العقوبات الظاهرية قوله تعالى (١) : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ).
ومن العقوبات المعنوية المعجلة ، قوله تعالى (٢) : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ). وقوله سبحانه (٣) : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ).
الوجه الثاني : إن المراد إفشالهم في حملتهم تلك. والضلال هو الفشل ، إما مجازا ، أو باعتباره حصة منه بنحو المشترك المعنوي.
وهذا هو الأظهر ، بل إن هدف السورة هو الحديث عن تلك المعجزة الإلهية التي أوجبت النعمة بفشل الجيش المعادي.
الوجه الثالث : إن الضلال لا ينحصر في النية ، بل هو التخطيط القاصر وعدم توقع الحوادث. فإنهم مهما كانوا قد أخذوا الأمور بنظر الاعتبار ، لم يكونوا يتوقعون حصول المعجزة بردهم عن الكعبة. فعدم التوقع هذا ، ضلال وقصور ، مع أنه المناسب لقدسية البيت من ناحية ، ولقدرة الله سبحانه ، من ناحية أخرى.
فيكون تخطيطهم قاصرا وضالا ، لأنهم لم يحسبوا كل الاحتمالات. ولو حسبوها ما فعلوا ولا جاءوا.
__________________
(١) هود / ٨٢.
(٢) التوبة / ٧٧.
(٣) الجاثية / ٢٣.