تدخل في أفواههم فتصل إلى أجوافهم وقلوبهم ، فيكون ذلك أبلغ في المضض وأعظم للألم.
أقول : وفرقه عن الوجه السابق : أن ذاك على معنى أن الألم لم يصل إلى الفؤاد. ولكن هنا تصل نفس النار إليه. ونقطة القوة في هذا الوجه : إنه لا يحتاج إلى تقدير ، بل هي تطلع على الأفئدة ، بغض النظر عما قلناه هناك.
الوجه الرابع : إنها تذيب الجسم حتى تصل إلى القلب. كما قال تعالى (١) : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها). فيصل العذاب إلى القلب مباشرة. وحيث إن الموت غير موجود في النار ، فيعاد الجسد كرة بعد كرة.
إن قلت : إن هناك فرقا بين الآيتين. فنضجت معناه : انطبخت ورقت نتيجة للاحتراق ، لكن الآية هنا ـ حسب هذا الوجه ـ تدل على أن الجسم كله يذوب ويتلاشى.
قلت : هذا من الفهم السطحي ، لأن نضج الجلود كما يناسب رقتها يناسب ذوبانها وتقطعها وتلاشيها. حتى تصل النار إلى اللحم والعظم ثم إلى القلب والفؤاد. فتطابق المعنيان.
الوجه الخامس : ما نقله الشريف الرضي عن آخرين (٢) من أن الاطلاع هو العلم ، كقوله تعالى (٣) : (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ). فالمراد : إن الله تعالى يخلق في النار علما تطلع به على ضمائر الموجودين ، فتوصل إليهم الآلام على قدر مراتبهم من الذنوب.
أقول : هذا الوجه في طول القرآن ، ولأجل تصحيح الآية. في حين أننا نصحنا أن نأخذ بالفهم السابق على الآية ، والذي يمكن أن تكون الآية قد نزلت على أساسه.
__________________
(١) النساء / ٥٦.
(٢) انظر تلخيص البيان ، ص ٢٨٤.
(٣) مريم / ٧٨.