ولكن في هذا الوجه بعض نقاط القوة :
الأولى : إنه فهم مباشر من الآية. أي إن جهنم تعرف ما في الأفئدة ، حسب الظهور العرفي للقرآن.
الثانية : ما ذكرناه سابقا ، من أن عالم المجردات كله مدرك وعارف ، بواقعه الذي يعيش فيه. ومنها جهنم ، فهي مطلعة على الأفئدة ، وعلى غيرها ، أي على كل ساكنيها. ولكن صاحب هذا الوجه لم يدرك ذلك بوضوح ، بل زعم أن العلم يخلقه الله سبحانه في جهنم خصوصا.
لكن فيه بعض المناقشات :
منها : إن جهنم ليست اسما لشيء محدد ، بل هي مفهوم انتزاعي. كما أن الحال في (الدنيا) كذلك ، فإنها ليست اسما لشيء محدد ، بل لمجموع الحوادث والأعراض والعلل والمعلولات ، والإضافات التي توجد في هذا العالم المنظور. ومن هنا نلاحظ أنه لم يرد في القرآن الكريم لفظ الدنيا مفردا ، بل يقول : الحياة الدنيا ، إذن ، فجهنم شيء من هذا القبيل.
ونستنتج من ذلك : إنها لا تكون مصداقا وتطبيقا للقاعدة التي قلناها : من أن موجودات عالم الروح والمثل مدركة. فإن جواهرها الجزئية ، مدركة ، ولكن مفهومها الانتزاعي غير قابل للإدراك. وحيث إن جهنم من المفاهيم الانتزاعية ، على ما هو المفروض في هذا الوجه ، فلا تكون صغرى لهذه الكبرى.
ولكن هذا ، إذا غضضنا النظر عن القراءة الأخرى : تطلع. وإلّا سقط هذا الوجه.
لكننا حتى لو سلمنا بتلك القراءة ، وأن جهنم مفهوم انتزاعي ، ولكن مع ذلك نقول : إنها مدركة ، لأن حقيقة الأشياء هي بحقائق الملائكة الموكلين بها. فجهنم ليست جهنم ، وإنما هي عين خازنها ، وهو «مالك» خازن النار. وهو مدرك وعاقل.
وعلى أي حال يتحصل من ذلك : إن المطلع على الأفئدة هو الملك