المستوى الأول : يحصل لدى البلاء الدنيوي ، فيجد الفرد أن الناس كلهم غير ملتفتين إليه ، وغير مهتمين بأمره ، ولا قادرين على إزالة ضرره وإنقاذه من ورطته. بل كل منهم مشغول بحاله حتى أفراد أسرته. وهو معنى الشعور بالغربة أو الاغتراب ، الذي تحدثوا عنه في علم النفس الحديث. وهذا المعنى يتأكد كلما زاد البلاء.
ومن هنا يصدق أن الناس أصبحوا متفرقين (كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) لأنهم تفرقوا عنه جميعا.
كما يجد الفرد أن من كان يشعر بأهميتهم من أهل الاختصاص ، لم ينقذوه ، حتى الأطباء والأثرياء وغيرهم. وهو تعبير عن تلاشي الجبال ، يعني لا يوجد منقذ من الأفراد العاديين ولا من الاختصاصيين.
المستوى الثاني : يحصل لدى أهل الإيمان العالي ، حيث يجد الفرد منهم : أن الناس لاهون عن مصالحهم الحقيقية ومستهدفون أهدافا دنيوية باطلة وظالمون لأنفسهم. لا يختلفون عن الحشرات الطائرة بشيء معتدّ به. كما قال الله سبحانه (١) : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً). إذن فهم كالفراش المبثوث ، والحشرات المنتشرة ، كل منهم يتوجه إلى مصلحته الذاتية.
و (تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) بعدة أطروحات :
الأولى : إن نفس الجبال تزول ، بما فيها من أهمية وعظمة في نظر أهل الدنيا. كما قال الله سبحانه (٢) : (أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ).
الثانية : الأشخاص المهمون في الدنيا ، من أهل الاختصاص وأهل المال. تزول أهميتهم لعدة أسباب ، منها : اليأس من خيرهم ، كما أشرنا. ومنها تلاشي أهميتهم في مراتب اليقين.
__________________
(١) الفرقان / ٤٤.
(٢) الإسراء / ٥١.