القيامة على المشهور. فيتعين أن يكون كله في يوم القيامة. إلّا أن يقال : إنه تعرض أولا ليوم القيامة ، ثم تعرض لمعلولاته ثانيا ، وهو دخول الجنة ودخول النار.
الأمر الثالث : إن هذه المعلولات تنتج في الدنيا أيضا. فقوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ ...) أي زادت حسناته على سيئاته ، في علم الله تعالى (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) أي مرضية. فإنه قد يستعمل اسم الفاعل بمعنى اسم المفعول. على معنى أنها مرضية لفاعلها أو مرضية لله سبحانه. أو نقول : إن راضية بمعنى اسم الفاعل مجازا. من حيث إنه نسب الرضا إلى العيشة ومراده العائش أي ذو العيشة الراضية. وأما لكونه راضيا بعطاء الله كما قال تعالى (١) : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) أو كونه راضيا بقضاء الله وقدره ، أي لديه تسليم بذلك ، لتكون موازينه ثقيلة. وهذا كله يمكن أن يحدث في الدارين : الدنيا والآخرة.
(وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) أي في النار. حسب الفهم المشهور. وهذا ما يحصل في الدنيا أيضا ، بدليل قوله تعالى (٢) : (ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها). أي في الدنيا. وهذا هو فهم المشهور لهذه الآية لاستحقاقهم العذاب ، فهم في جهنم وإن لم يشعروا. وسيشعرون بذلك بعد يوم القيامة.
ونحوه قوله تعالى (٣) : (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ) فإنه يمكن أن يحصل في الدنيا أيضا. فإن الاستغاثة إنما هي من بلاء الدنيا. فيجاب دعاؤهم بمقدار ما يستحقون. فتكون إجابة ضعيفة لا تسمن ولا تغني من جوع أو قل إنها : (كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً).
__________________
(١) الضحى / ٥.
(٢) الكهف / ٢٩.
(٣) الكهف / ٢٩.