(ضبحا) شدة التعب الذي يصيبهم في سبيل الله أو في تركهم الدنيا وتحمل بلائها وصعوباتها.
(فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) إما أن نقول إن القدح هو العطاء والنور الإلهي. وإما أن نقول : إنه السرعة في السير والتكامل.
(فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) يعني المقبلات صبحا أي حين الفجر ، وهو مصداق لقوله تعالى (١) : (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ). ويمكن تفسير الصبح بمن ترك ظلام المطامع الدنيوية ، أو بإشراق شمس الهداية والكمال.
(فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) فإن الغبار مما لا مناص منه ، من أثر ضغط النفس والعقل والشبهات والآمال القصيرة.
(فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) إن قلنا إن الجمع جماعة من الناس. فهو قد توسطهم بعد الوصول إلى تلك الدرجة من الكمال. وهم الملأ الأعلى أو نحوه. وإن قلنا إنه اسم لأرض المشعر ، فهي الأرض المقدسة أو المرتبة التي يصل إليها الإنسان.
المعنى الخامس للعاديات : إنها تنطبق على كل ذي هدف كطالب العلم وطالب الشهرة وطالب المال وأضرابهم. يريد السرعة والهمة في الحصول على نتائجه. وعند ما يصل إليها يصدق قوله : (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً). أما قوله فأثرن به نقعا. فهي الموانع والمعوقات عن الوصول إلى الهدف. كما قال الشاعر : تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. بل قد يكون بفعل الفرد نفسه من حيث لا يعلم ، أو من نتائج عمله.
و (جمعا) يمكن أن نفهم منه الهدف نفسه. أو أن نفهم منه جمع الناس المستهدفين لنفس الهدف. وكأنه يريد المال فأصبح من الأثرياء أو بينهم.
إلى معان أخرى محتملة للسياق ، لا حاجة إلى الدخول في تفاصيلها.
ولا بد أن نلتفت إلى أن هذه السورة قد حفظت سياقا ونسقا للقسم.
__________________
(١) آل عمران / ١٧.