الثالث : إنه قليل الالتفات إلى الآخرة وكثير الغفلة عنها. كما قال تعالى (١) : (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ).
الرابع : إن الآية الكريمة لم تتعرض لمتعلق القلّة ، وإن الإنسان كنود من أي جهة. بل تركت الباب مفتوحا لأجل أن يملأ بأي شيء معقول يمكن أن يخطر على البال. فيمكن أن يقال : إن المراد قلة الاهتمام بأمور الدنيا وقلة الأخذ بزبرجها وزخارفها قربة إلى الله تعالى. ومعنى القربة مفهوم من قوله تعالى : لربه.
فإن قلت : فإن هذا لا يحصل إلّا للقليل ، مع أن الألف واللام جنسية ، فيدل على اتصاف نوع الإنسان بالصفة ، لا حصة منه. فيدل على فساد المعنى الرابع.
قلت : جوابه من عدة وجوه. منها :
أولا : أن نقيد الإنسان بالإنسان المهتم بآخرته. وهو كنود من الدنيا ومن مصالحه الشخصية. إلّا أن هذا الوجه على خلاف الأصل.
ثانيا : إن الإنسان له إطلاقان : أحدهما : مطلق الإنسان. وله حصص كثيرة ، كالعربي والهندي والمؤمن والفاسق. وثانيهما : الإنسان المطلق ، وهو صنف واحد ، وهم أولياء الله. وإن قسمنا إنسانيتهم إلى مطلق الإنسان كانت بمنزلة قياس الوجود للعدم. ومعه يمكن أن نفهم منها الإنسان المطلق لا مطلق الإنسان.
فإن قلت : ولكن الألف واللام هنا جنسية فتشمل كل البشر.
قلنا : نعم هي جنسية ، والألف واللام الجنسية تستوعب أفراد مدخولها. فإذا فهمنا من مدخولها الإنسان المطلق استوعبت أفراده. وليس لها أن تستوعب كل أفراد الإنسان.
فالإنسان المطلق صفته أنه لربه لكنود. وليس الكافر ، كما عليه مشهور المفسرين. فقد أراده المفسرون شرا وأردناه خيرا!!
__________________
(١) الروم / ٧.