وحسب الفهم الآتي ، فإن المراد من الآية : أن الكفار والمشركين سوف لن يتغيروا ولن يتوبوا حتى تأتيهم البينة. ولن ينفكوا عن دينهم إلّا بإقامة الحجة. كما سيأتي. وعلى هذا ، فإنه يترجح كون «من» للتبيين لا للتبعيض ـ كما رجح الميزان ـ لأن المراد جنس الكفار لا بعضهم.
سؤال : إن أهل الكتاب أخذوا في الآية في مقابل المشركين ، مما يظهر أنهم ليسوا بمشركين : مع أننا نعلم أنهم مشركون. فكيف صح ذلك؟
جوابه : من وجهين :
الوجه الأول : إنه من عطف العام على الخاص ، حيث اقتضت المصلحة ذكر أهل الكتاب لكي يلتفتوا ، ولكي لا يحصل جدل بينهم. ومعه لا يتعين من التعبير أن لا يكون أهل الكتاب من المشركين.
الوجه الثاني : إنه يمكن القول إنهم ليسوا بمشركين ، فإن كان ظهور الآية بذلك ، فهو ليس أمرا مستنكرا. وتقريب ذلك من وجوه :
أولا : إنهم باعتبار دينهم الأصلي ليسوا بمشركين جزما.
ثانيا : إننا نعدهم غير مشركين احتراما لأنبيائهم كما قربنا ذلك في ما وراء الفقه (١).
ثالثا : إنهم عمليا ليسوا بمشركين بل موحدون. أما اليهود فإنهم وإن كانوا يميلون إلى التجسيم إلّا أن التجسيم لا يتنافى مع التوحيد. وأما النصارى فلأنهم وإن آمنوا بالثالوث المقدس إلّا أنهم يعتبرون الأهم في الثلاثة هو الأب ، فهو الخالق حقيقة ، والباقي مخلوقون. فعاد الأمر إلى نحو من أنحاء التوحيد.
رابعا : إن المشركين اسم لعبدة الأصنام خاصة ، إما مطلقا أو من كان منهم في الجزيرة العربية. لأن المعهود يومئذ هذان القسمان ، فكان مقتضى قاعدة «كلم الناس على قدر عقولهم» هو الإشارة إليهم. وإن كان يمكن التجريد عن الخصوصية من كل تلك النواحي.
__________________
(١) ج ١ ، ق ١ ، ص ١٨٨.