الوجه الثاني : ذكر (دانتي) في كتابه : الجحيم (١). في وصف جهنم : إن بعض قاطنيها يزدادون عتوا ونفورا ، ويشتمون الله ويعترضون عليه.
وحسب فهمي : إن هؤلاء دخلوا إلى جهنم باستحقاقهم ، فإبقاؤهم فيها عدل وخلودهم فيها رحمة. ولا يجب على الله بحسب حكم العقل العملي إخراجهم منها ، مع شتمه والاعتراض عليه. فهم يبقون فيها جوازا على أقل تقدير.
إن قلت : ورد أنه في الآخرة حساب ولا عمل (٢). لعدم وجود الشريعة هناك. فكيف أصبح الشتم هناك سببا للعقاب ، وهو الخلود في النار؟
قلت : جوابه من وجهين :
أولا : إننا لم نقل إن الخلود في النار عقوبة على الشتم ، وإنما الشتم سبب وجهة تعليلية ، لعدم وجوب إخراجهم من النار بحسب حكم العقل العملي. بحيث لا يكون بقاؤهم وخلودهم فيها ظلما لهم ، ما داموا على تلك الصفة.
ثانيا : إن هذا المضمون وإن ورد ، وهو أنه في الآخرة حساب ولا عمل. إلّا أنه لم يثبت على إطلاقه. إذ لا إشكال أن شتم الله ذنب وذكره والطمع في رحمته وحسن الظن به طاعة. سواء كان في الدنيا أو في الآخرة. فما كان في ذاته ذنب بغض النظر عن الشريعة ، قابل للثبوت هناك. وكذلك ما كان في ذاته طاعة. وإنما المفقود هناك هو الشريعة فقط. وهو المقصود بالأخبار المشار إليها.
الجهة الثانية : وهي أن الخلود غير جائز للقاصرين والمعذورين.
فإنه تحصّل من الجهة السابقة أن من يخلد في النار هم المعاندون وأضرابهم. وليس بهذه العناوين التفصيلية الثانوية. ودخول القاصر إلى
__________________
(١) الكوميديا الإلهية ، الجحيم ص ٣٣٦.
(٢) نهج البلاغة خطبة / ٤٢ ، شرح محمد عبده.