قلت : هذا يختلف باختلاف معنى التعليم. كما سبق. فإن قصدنا منه التسبيب الطبيعي ، كما هو المعنى الأول ، فاستعمال القلم الاعتيادي صحيح ، وإن قصدنا غيره ، كان للقلم معنيان آخران.
المعنى الأول : القلم الأعلى ، وهو قلم التقدير الذي يكتب في اللوح المحفوظ. ولا شك أن له دخلا في التعليم ، لأن ذلك مما يدخل ضمن القضاء والقدر. لأن الباء في قوله (بالقلم) تفيد السببية ، فيراد بها سببية القضاء والقدر لتعليم الإنسان.
المعنى الثاني : القلم الأدنى ، وهو قلم التنفيذ. وذلك بمنزلة الأمر وهذا بمنزلة المأمور. ومنه تعالى (١) : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ). يعني الكلمات التكوينية المكتوبة في لوح الواقع. ومن الواضح أن من جملة التكوين قلم الإنسان وأي فرد من أفراده.
وهنا ينبغي أن نلتفت إلى أنه على قلة المتعلمين والكاتبين في صدر الإسلام ، وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآله غير قارئ وغير كاتب ماديا وعمليا ، إلّا أنه ورد ذكر القلم والمداد في القرآن الكريم مكررا ومؤكدا ، والتركيز على أهميته حتى من الناحية الشخصية. قال تعالى (٢) : (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ). يعني طبقا للشريعة. وهكذا.
كما ينبغي أن نلتفت أيضا إلى أمر قلما يلتفت إليه الناس حتى الأدباء ، وهو أن خمسة أو ستة كلمات مكررة في سطرين من الكلام في أول هذه السورة الشريفة ، مع حفظ المستوى البلاغي للقرآن. وهي : اقرأ وخلق وربك ، وعلم والذي والإنسان. والأخيرة مكررة ثلاث مرات ، اثنين منها في خمس آيات صغار والثالثة في السادسة.
__________________
(١) لقمان / ٢٧.
(٢) البقرة / ٢٨٢.