والتعليم من جملة ذلك ، له علة ما به الوجود وهو الأستاذ. وعلة ما منه الوجود وهو الفيض الإلهي. فكما ينسب الإنسان إلى أبيه تارة وإلى الخالق أخرى ، كذلك ينسب العلم إلى الأستاذ تارة وإلى الله أخرى.
الوجه الثاني : جعل القابلية للتعليم في الإنسان. وهذا أمر وجداني في كل الأفراد ، ما لم يكن الفرد قاصرا. فتعليم الله للإنسان يتم بإيجاد شرطه وهو القابلية. فإن تلقي العلم معلول ، فهو يحتاج إلى تمامية علته ، من مقتضى وشرط وعدم المانع. والله تعالى خالق القابلية ، أي الشرط وهذا يكفي.
الوجه الثالث : أن يراد به خلق عالم الإثبات ، أعني عالم المعرفة والأفكار ، مضافا إلى خلق عالم الثبوت ، وهو عالم التكوين.
فقد خلق الله تعالى الأفكار التي لها القابلية للخطور في الذهن. وهذا من قبيل المقتضى. والنتيجة تنسب إلى المقتضى بطبيعة الحال ، لا إلى الشرط ولا إلى عدم المانع. ومنها وجدت اللغات.
فإذا ضممنا الوجهين الثاني والثالث ، يعني القابلية للإنسان وما يستطيع به أن يملأ هذه القابلية وينميها. علمنا كيف أن الله تعالى هو المعلم للإنسان حقيقة.
الوجه الرابع : تعليم الله تعالى للبشر عن طريق أنبيائه وكتبه ويدل عليه قوله تعالى (١) : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ). وقال (٢) : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ). وقال (٣) : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ).
إن قلت : فإنه تعالى لم يعلم بالقلم ، وإنما هو شأن التعليم البشري للقراءة والكتابة. فكيف قال : علم بالقلم؟
__________________
(١) إبراهيم / ٤.
(٢) الحديد / ٢٥.
(٣) التوبة / ٣٣.